وصبه في البئر، ونزع سهمًا من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت (?).
وفي بروك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه بعد ذلك دروس وعبر منها:
1 - كل شيء في هذا الكون يسير بأمر الله ومشيئته، ولا يخرج في سيره عن مشيئته وإرادته, فتأمل في ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين بركت، وكيف كره الصحابة بروكها وحاولوا إنهاضها لتستمر في سيرها فيستمروا في سيرهم إلى البيت العتيق مهما كانت النتائج، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد غير ذلك (?).
2 - وقد استنبط ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- فائدة جليلة من قوله صلى الله عليه وسلم: «حبسها حابس الفيل» (?) فقال: وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجهة الخاصة؛ لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض، لكن جاء التشبيه من جهة إرادة الله منع الحرم مطلقًا, أما من أهل الباطل فواضح، وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره (?).
3 - ومن الفوائد أن المشركين وأهل البدع والفجور، والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرًا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، أجيبوا إليه وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره، فيعانون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك, فكل من التمس المعاونة على محبوبٍ لله تعالى مُرْضٍ له، أجيب إلى ذلك كائنًا من كان، ما لا يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه، وهذا من أدق المواضيع وأصعبها، وأشقها على النفوس (?).
4 - إن الله سبحانه وتعالى، جلت قدرته، وعزت عظمته, قضى ألا يكون قتال بين المسلمين والمشركين من أهل مكة في هذه الغزوة بالذات؛ لحكم ظهرت فيما بعد منها:
أ- دخول المسلمين بالقوة يعني أن تحدث مذابح، وتزهق أرواح كثيرة، وتسفك دماء غزيرة من الطرفين، وهذا أمر لم يرده الباري سبحانه، وكان لمصلحة الفريقين المؤمنين والمشركين.
ب- إن من المحتمل أن ينال الأذى والقتل والتشريد على أيدي المؤمنين بعض المستضعفين من إخوانهم من المسلمين في مكة، وهذا فيه ما فيه من المعرة التي لا يليق بمسلم أن يقع فيها، قال سبحانه: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ