بقرقرة ثيار على ستة أميال من خيبر، ندم اليسير على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى بيده على سيف رديفه ابن أنيس، ففطن له، فاقتحم به، ثم ضربه بالسيف، فقطع رجله وضربه اليسير بمخرش (?) في يده من شواحط (?) فضرب به وجه عبد الله فأمه (?) , ومال كل رجل من المسلمين على رديفه من اليهود فقتله، إلا رجل واحد أفلت على رجليه, فلما قدم ابن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على شجه، فلم تقح ولم تؤذه (?). وكانت هذه السرية في شوال سنة ست من الهجرة (?).
وفي هذه السرية دروس وعبر منها:
1 - كانت الخطة النبوية هي محاولة إيقاف نهر الدم بين اليهود والمسلمين ابتداء, فقد كان دور عبد الله بن رواحة في هذا الاتجاه، غير أن الحقد اليهودي الذي أشرب قلوبهم والسم الذي ينفثونه على المسلمين، هو الذي غلب آخر الأمر، وأفسد الخطة كلها، فقد حاولوا الغدر بالمسلمين فوقعت الدائرة عليهم.
2 - إن البأس في الحرب ما لم يكن غليظًا وشديدًا، فلن تحسم المواجهة مع العدو، وستجعل الحرب تفنى كل شيء وتأكل كل شيء, فلا بد من بث الرهبة والرعب في قلوب العدو، ولا بد من الشدة معه حين لا يجدي الحوار أو المناقشة, ولا بد من الغلظة التي تشعر العدو أن من يقاتله لا يخشى في الله لومة لائم.
3 - شهد العام السادس من الهجرة تصعيدًا عنيفًا في عمليات المواجهة مع العدو، ولا يكاد يمر شهر دون سرية أو سريتين تضرب في الصحراء، وتفض جمعًا أو تحطم عدوًا أو تغتال طاغوتًا، فقد كان شعار المرحلة: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، فقد كان حزب الله ينطلق في الآفاق باسم الله، يحمل المبادئ الخالدة، والقيم العليا يقدمها للخلق كافة، ويزيح كل طاغوت يحول دون وصول هذه المبادئ، ونشهد حزب الله في أفراده جميعًا، والذين تلقوا أعلى مستويات التربية الخلقية، والفكرية، والعسكرية، والسياسية، كيف ينفذون هذا المنهج وكيف يكون واقعهم ترجمة عملية وحية لمبادئهم، وكيف يتقدمون ليتصدروا مرحلة جديدة تبدأ معالمها وملامحها مع صلح الحديبية (?).
* * *