وأما الرابعة: في زمن عبد الملك بن مروان بعدما قتل ابن الزبير, حيث أعاده على ما كان عليه زمن النبي صلى الله عليه وسلم (?) , لأن ابن الزبير باشر في رفع بناء البيت، وزاد فيه الأذرع الستة التي أخرجت منه، وزاد في طوله إلى السماء عشرة أذرع وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه، وإنما جرأه على إدخال هذه الزيادة حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم» (?).
2 - طريقة فض التنازع كانت موفقة وعادلة، ورضي بها الجميع وحقنت دماء كثيرة، وأوقفت حروبًا طاحنة، وكان من عدل حكمه أن رضيت به جميع القبائل, ولم تنفرد بشرف وضع الحجر قبيلة دون الأخرى، وهذا من توفيق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وتسديده قبل البعثة، إن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب الصفا كان قدرًا من الله، لحل هذه الأزمة المستعصية، التي حُلت نفسيًّا قبل أن تحل على الواقع، فقد أذعن الجميع لما يرتضيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الأمين الذي لا يظلم وهو الأمين الذي لا يحابي ولا يفسد, وهو الأمين على البيت والأرواح والدماء (?).
3 - إن حادثة تجديد بناء الكعبة قد كشفت عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم الأدبية في الوسط القرشي (?) , وحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة شرفان، شرف فصل الخصومة ووقف القتال المتوقع بين قبائل قريش، وشرف تنافس عليه القوم وادخره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ألا وهو وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين، وأخذه من البساط بعد رفعه ووضعه في مكانه
من البيت (?).
4 - إن المسلم يجد في حادثة تجديد بناء الكعبة كمال الحفظ الإلهي, وكمال التوفيق الرباني في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما يلاحظ كيف أن الله أكرم رسوله بهذه القدرة الهائلة على حل المشكلات بأقرب طريق وأسهله، وذلك ما تراه في حياته كلها صلى الله عليه وسلم وذلك معلم من معالم رسالته، فرسالته إيصال للحقائق بأقرب طريق، وحل للمشكلات بأسهل أسلوب وأكمله (?).
شاءت حكمة الله تعالى أن يعد الناس لاستقبال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بأمور منها:
دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يبعث في العرب رسولاً منهم، فأرسل محمدًا إجابة لدعوته، قال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129] وذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أنزل البشارة بمبعث