دروس وعبر وفوائد:
1 - إن الأمانة والصدق أهم مواصفات التاجر الناجح، وصفة الأمانة والصدق في التجارة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم, هي التي رغبت السيدة خديجة في أن تعطيه مالها ليتاجر به ويسافر به إلى الشام، فبارك الله لها في تجارتها، وفتح الله لها من أبواب الخير ما يليق بكرم الكريم.
2 - إن التجارة مورد من موارد الرزق التي سخرها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة, وقد تدرب النبي صلى الله عليه وسلم على فنونها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن التاجر الصدوق الأمين في هذا الدين يُحشر مع الصديقين والشهداء والنبيين، وهذه المهنة مهمة للمسلمين ولا يقع صاحبها تحت إرادة الآخرين واستعبادهم وقهرهم وإذلالهم, فهو ليس في حاجة إليهم, بل هم في حاجة إليه وبحاجة إلى خبرته وأمانته وعفته.
3 - كان زواج الحبيب المصطفى من السيدة خديجة بتقدير الله تعالى، ولقد اختار الله سبحانه وتعالى لنبيه زوجة تناسبه وتؤازره، وتخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل تكاليف الرسالة وتعيش همومه (?).
قال الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: وخديجة مثلٌ طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم، إن أصحاب الرسالات يحملون قلوبًا شديدة الحساسية, ويلقون غَبنا بالغًا من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهادًا كبيرًا في سبيل الخير الذي يريدون فرضه، وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، وكانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال، وكان لها في حياة محمد صلى الله عليه وسلم أثر كريم (?).
4 - نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق مرارة فقْد الأبناء، كما ذاق من قبل مرارة فقد الأبوين، وقد شاء الله -وله الحكمة البالغة- ألا يعيش له صلى الله عليه وسلم أحد من الذكور حتى لا يكون مدعاة لافتتان بعض الناس بهم، وادعائهم لهم النبوة، فأعطاه الذكور تكميلا لفطرته البشرية، وقضاء لحاجات النفس الإنسانية، ولئلا ينتقص النبي في كمال رجولته شانئ، أو يتقول عليه متقول، ثم أخذهم في الصغر، وأيضا ليكون ذلك عزاء وسلوى للذين لا يرزقون البنين، أو يرزقون ثم يموتون، كما أنه لون من ألوان الابتلاء، وأشد الناس بلاء الأنبياء (?) , وكأن الله أراد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرقة الحزينة جزءًًا من كيانه؛ فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت, إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة، وعاشت في أفراح لا يخامرها كدر، أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة المجروحين (?).