طالب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها: أبصر إليَّ غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء، وضرب دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟» فقالوا: فلان تزوج فلانة، رجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته» (?).

وهذا الحديث يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية:

1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا بخصائص البشرية كلها، وكان يجد في نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميول الفطرية التي اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها، فكان يحس بمعنى السمر واللهو، ويشعر بما في ذلك من متعة، وتحدثه نفسه لو تمتع بشيء من ذلك كما يتمتع الآخرون.

2 - أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف وعن كل ما لا يتفق مع مقتضيات الدعوة التي هيأه الله لها (?).

ثامنًا: لقاء الراهب بحيرا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو غلام:

«خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا (?) على الراهب (?) هبطوا فحلوا رحالهم (?) فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم ولا يلتفت.

قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب (?) حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015