عيسى ابن مريم، ولكنهم كذلك لا يخوضون في عرض مريم عليها السلام، كما يخوض الكاذبون, بل عيسى ابن مريم كلمته وروحه ألقاها إلى مريم البتول العذراء الطاهرة، وليس عند النجاشي زيادة عما قال جعفر، ولا مقدار هذا العود (?).
* هم لا يسجدون للنجاشي، فهم معاذ الله أن يعدلوه بالله، ولا ينبغي السجود إلا لله، لكنهم لا يستخفون بالملك، بل يوقرونه ويسلمون عليه كما يسلمون على نبيهم، ويحيونه بما يحيي أهل الجنة أنفسهم به في الجنة.
* انتهى الأمر بأن أعلن النجاشي صدق القوم، وأيقن بأن هؤلاء صديقون, وعزم على أن يكون في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يأتيه الناموس كناموس موسى، وأن يتقرب إلى الله بحماية أصحابه، وأكد لعمرو أنه لا يضيره تجارة قريش، ولا مال قريش، ولا جاهها، ولو قطعت علاقتها معه.
15 - وبذلك انهزمت قريش في هذه الجبهة سياسيًّا ومعنويًّا، وإعلاميًّا أمام مقاومة المسلمين الموفقة وخطواتهم، وأساليبهم الرصينة.
16 - كان موقف جعفر وإخوانه مثالاً تطبيقيًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التمس رضا الله بسخط الناس, كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس» (?) فهؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- قد التمسوا رضا الله عز وجل، مع أن الظاهر في الأمر أنه يترتب عليه في هذه القضية سخط أولئك النصارى وهم الذين لهم الهيمنة عليهم، فكانت النتيجة أن الله عز وجل سخر لهم ملك الحبشة حتى نطق بالحق الموافق لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم, مع مخالفته الصريحة لمعتقدهم المنحرف, الذي قام عليه ملكهم وما يغلب على الظن من ثورة النصارى المتعصبين عليه (?).
17 - كان عند بعض النصارى إيمان صحيح بدينهم، ولكنهم يكتمون ذلك, لكون الغلبة والسيادة في الأرض لأصحاب الدين المحرف، ومن الذين كانوا على الاعتقاد الصحيح ملك الحبشة، وكان يخفي إيمانه هذا مداراة لقومه إبقاء على نفسه وملكه، فلما وقع في هذا الابتلاء أظهر إيمانه، إرضاءً لربه وإراحة لضميره وانتصارًا لحزب الله المؤمنين مهما ترتب على ذلك من نتائج, فكان بهذا الموقف من عظماء التاريخ (?).
18 - ومن دروس هجرة الحبشة أن الجهل ببعض أحكام الإسلام لمصلحة راجحة لا يضر، قال ابن تيمية -رحمه الله- وهو يقرر العذر بالجهل: «ولما زيد في صلاة الحضر حين هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان مَنْ بعيدًا عنه مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يصلون ركعتين، ولم