الهجرة قد تحولت إلى أحسن، فهل ترى هذا يخفى على أحد؟ وهل تظن أن هذه التغييرات التي جرت على حياة المسلمين في مكة لم تصل إلى أرض الحبشة، ولو عن طريق البحارة الذين كانوا يمرون بجدة؟

لا بد أن كل ذلك قد وصلهم، ولا شك أن هؤلاء الغرباء قد فرحوا بذلك كثيرًا، ولا يستغرب أحد بعد ذلك أن يكون الحنين إلى الوطن، وهو فطرة فطر الله عليها جميع المخلوقات، قد عاودهم ورغبت نفوسهم في العودة إلى حيث الوطن العزيز مكة أم القرى، وإلى حيث يوجد الأهل والعشيرة فعادوا إلى مكة في ظل الظروف الجديدة والمشجعة، وتحت إلحاح النفس وحنينها إلى حرم الله وبيته العتيق» (?).

لقد رجع المهاجرون إلى مكة بسبب ما علموا من إسلام حمزة وعمر, واعتقادهم أن إسلام هذين الصحابيين الجليلين سيعتز به المسلمون وتقوى شوكتهم.

ولكن قريشًا واجهت إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما بتدبيرات جديدة يتجلى فيها المكر والدهاء من ناحية، والقسوة والعنف من ناحية أخرى، فزادت في أسلحة الإرهاب التي تستعملها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم سلاحًا قاطعًا وهو سلاح المقاطعة الاقتصادية، وقد تحدثت عنه, وكان من جراء ذلك الموقف العنيف أن رجع المسلمون إلى الحبشة مرة ثانية، وانضم إليهم عدد كبير ممن لم يهاجروا قبل ذلك (?).

ثانيًا: هجرة المسلمين الثانية إلى الحبشة:

قال ابن سعد: قالوا: لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الهجرة الأولى, اشتد عليهم قومهم، وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدًا، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فكانت خرجتهم الثانية أعظمها مشقة، ولقوا من قريش تعنيفًا شديدًا ونالوهم بالأذى، واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة ولست معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم مهاجرون إلى الله تعالى وإليَّ، لكم هاتان الهجرتان جميعًا» قال عثمان: فحسبنا يا رسول الله (?).

وهاجر معهم كثيرون غيرهم أكثر منهم وعدتهم -كما قال ابن إسحاق وغيره ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان عمار بن ياسر فيهم واثنان وثمانون رجلاً إن لم يكن فيهم، قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015