الأمر الثاني الذي جعل إحصاء كل أمر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر صعب: التنوع العجيب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتارة يكون مطارداً معرضاً للأذى والاضطهاد كما في حادث الهجرة، يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فارين من أهل مكة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مطلوب الرأس، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، إلى أن يصلا إلى المدينة المنورة بعد أيام من الفرار، وفي نفس سيرة هذا الرجل العظيم صلى الله عليه وسلم تجد أنه ممكنّ في الأرض، يرسل الرسائل إلى كل عظماء الأرض: من محمد صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس.
من محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيصر عظيم الروم.
إلى المقوقس عظيم مصر.
انظروا الفرق الضخم الهائل بين حالة كان يعيشها صلى الله عليه وسلم، وبين حالة أخرى عاشها ذاته، تارة تجد أنه صلى الله عليه وسلم يعاهد قوماً، وتارة يحاربهم، تارة يكون فقيراً معدماً يربط على بطنه حجرين من الجوع، ولا يوقد في بيته النار ثلاثة أهلة في شهرين، وفي وقت آخر من السيرة تجد أن هذا الرجل ذاته قد أصبح غنياً تأتيه الأموال من كل بقاع الجزيرة العربية، وينفق الأموال في سبيل الله إنفاقاً غير مسبوق، يعطي هذا مائة من الإبل، وهذا مائة من الإبل، وهذا أكثر، وهذا أقل ينفق إنفاقاً عجيباً! هذا هو نفس الرجل الذي كان يتعامل مع المشركين واليهود والنصارى والمنافقين والمؤمنين، فتارة ينتصر عليهم، وتارة يهزم.
كل تنوع ممكن يحصل في حياة أمة قد حدث في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: هذا أمر يجعل إحصاء كل مواقف السيرة أمر صعب جداً، خصوصاً وأنت تريد أن تلاحظ كل هذه المتغيرات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن مجموعة واحدة من الدروس.