السمة العاشرة والأخيرة هي: وضوح مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ثم مهمة الداعية من بعده، هذه المهمة كانت من أول يوم في البعثة إلى آخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم واضحة تماماً، ألا وهي البلاغ، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة:99].
فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم ما يريد من أول أيام الدعوة، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تبليغ كل من يعرف ومن لا يعرف، واختلفت وسائل البلاغ في كل مرحلة، لكن البلاغ كان سمة عامة في كل مراحل السيرة، في أول أيام الدعوة كان البلاغ سراً وعن طريق الانتقال، واستمر ذلك ثلاث سنوات كاملة، ثم أعلن الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر على الناس، وبلغ أهل مكة جميعاً، وناداهم قبيلة قبيلة ورهطاً رهطاً، وصدوه عن دعوته وقاوموه، لكنه ما قصر صلى الله عليه وسلم في البلاغ أبداً، بل كان يذهب إليهم في اجتماعاتهم وبيوتهم، وكان لا يترك زائراً يدخل مكة إلا وحدثه عن الإسلام وبلغه إياه، وكان لا يترك وفداً أتى للحج إلا وشرح له الرسالة الإسلامية وبشره وأنذره، وكان يجد إعراضاً كثيراً وسخرية مرة، ومع ذلك ما توانى لحظة عن إيصال رسالته للناس صلى الله عليه وسلم.
وفي فترة المدينة المنورة اجتهد في نشر دعوته وتبليغ الناس، ليس فقط في المدينة ولكن في كل أرجاء الجزيرة، ووصل الأمر في السنة السابعة من الهجرة إلى مكاتبة زعماء وملوك العالم لتبليغهم دعوة الإسلام، كانت المهمة واضحة تمام الوضوح في ذهنه صلى الله عليه وسلم، إنه البلاغ مهمة الرسل، ومهمة أتباعهم الذين يسيرون في طريقهم.
الرسول عليه الصلاة والسلام كان متفانياً في أداء هذه المهمة النبيلة إلى درجة أنه كان يحزن حزناً شديداً يكاد يهلكه عندما لا يهتدي إنسان بكلمات القرآن، مع أن مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام هي البلاغ فقط وليست الهداية، إلى الدرجة التي رفق الله عز وجل به وأنزل آيات في مواطن عدة من القرآن الكريم تنهاه عن الحزن الشديد، قال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] وأمثال ذلك كثير في القرآن الكريم.
إذاً: على المسلم الفاهم الواعي أن يلتقط هذه المهمة النبيلة ليجعلها مهمة حياته، لا يرضى أبداً بأقل منها رسالة، لا يرضى أبداً بأبسط منها قضية، هذه هي قضية المسلم في حياته بكاملها، وهذا ما فهمناه بوضوح من خلال السيرة النبوية.
كانت هذه السمة العاشرة من السمات البارزة في السيرة النبوية، فتلك عشرة كاملة.