كون الدعوة سرية في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام، لحاجة المسلمين إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت الظروف مع هذه الفترة، وعلى سبيل المثال: المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل أن يسقط كانوا يعيشون في مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، كان حمل المصحف أو حتى الاحتفاظ به في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكتُشف أنه يصلي أو يصوم يُعاقب ويُعذّب وقد يُقتل، فكان لابد أن تكون هناك سرية تامة في هذه المرحلة، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، لكن كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه، كانوا يحفظون القرآن في سراديب وخنادق وكهوف الجبال، والحمد لله مرت السنوات وبقي الدين وبقي المسلمون ورُفعت الغُمة، فما الذي حفظهم؟ حفظهم فقه المرحلة، نعم، ربنا سبحانه وتعالى هو الحافظ، وهو المعين، لكن هناك أسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الظرف الذي كان يعيشه المسلمون، لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى الإسلام من بقاع كثيرة في الأرض، وسوف يموت الشهداء لكن أين الدعوة وأين الإسلام؟ ففقه المرحلة كان هاماً جداً، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء الإسلام في مثل هذا الظرف كان معلماً لهم، وكان مؤيداً لمنهجهم، كان معهم دليل شرعي قوي يؤيد هذه السرية.
اختلفت الظروف بعد ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتبعية سيختلف منهجه صلى الله عليه وسلم في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين، سيأتي زمان بعد هذا يُعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، مثل إسلام سيدنا عمر وسيدنا حمزة رضي الله عنهما، وسيأتي زمان يعلن الجميع وتكون التربية في العلن، وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وسيأتي زمان سيدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه زعماء العالم إلى الإسلام، وهذا بعد صلح الحديبية، كل هذا سيحدث؛ حتى لا يأتي أحد من المسلمين ويستشهد بفعل من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والظروف مختلفة، وإلا فلماذا هذا التنوع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ليعلمنا الحكمة الحقيقية في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله عند تشابه الظروف.