إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فمع الدرس الخامس من دروس السيرة النبوية المطهرة المشرفة.
سبق أن وقفنا وقفة مع إسلام خديجة والصديق وزيد بن حارثة رضي الله عنهم، ولنا وقفات مع إسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصة إسلامه في منتهى الغرابة.
آمن هذا الطفل الصغير وعمره عشر سنوات، ووجه الغرابة أنه طفل يؤمن في هذه المرحلة الخطيرة من الدعوة، حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً في مكة، ثم يسر بهذا الأمر الخطير لطفل، وكيف لهذا الطفل أن يفهم هذه القضية الكبرى التي خفيت على بعض العقول التي كانوا يعتبرونها حكيمة في مكة؟! كان علي بن أبي طالب كابن الرسول صلى الله عليه وسلم تماماً، بنفس منزلة زيد، وكان يعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، لوجود أزمة اقتصادية في مكة في وقت ما، وأصبح صعباً على أبي طالب أن يرعى كل أولاده، فاقترح الرسول صلى الله عليه وسلم على العباس رضي الله عنه وأرضاه أن كل واحد منهما يأخذ طفلاً من أطفال أبي طالب ويقوم بكفالته، وكان من سعادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره.
تأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم كأي طفل يتأثر بأبيه، فكيف لو كان الأب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يمثل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كل شيء، كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون صلى الله عليه وسلم، كأي طفل يعتقد أن الصواب الكامل في أبيه، وأن كل مشاكل الدنيا حلها عند أبيه، وهذا ليس كالآباء، فهو أعظم أب في الدنيا.
إذاً: أول شيء: هو حب كبير في قلب علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حب الطفل لأبيه الحنون.
ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد نبوغاً مبكراً وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول له سراً خطيراً كهذا، ونحن نتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يعرف طفل صغير كـ علي بن أبي طالب بأمر الرسالة، خصوصاً إذا كان هذا الموضوع يفترض أن يظل سراً لا يعرف، وإلى متى؟ لا نعلم، مدة سنة أو سنتين أو ثلاث إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بجهرية الدعوة، لكن الظاهر أن علياً كان عبقرياً منذ طفولته، وأثبتت الأيام صدق ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام وعلى القضاء في الأمور، وكانت لديه فراسة عميقة إلى جوار العلم والفقه.
كان في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يدعوه تنوع، وهذا يوضح لنا أن مجال الدعوة أوسع بكثير جداً مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل فيهم الرجال والنساء، فيهم السادة والعبيد، فيهم الكبار والصغار لا حدود لهذه الدعوة، أنت عليك فقط أن تنظر من تقابل ومن تعرف؟ ومؤكد أنك ستجد الذي يصلح لأن تكلمه في أمر الإيمان والالتزام بدين الله عز وجل.
فـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه آمن وهو في العاشرة، ليصبح بذلك أول الصبيان إيماناً، وتصبح السيدة خديجة أول النساء، وأبو بكر أول الرجال، وزيد بن حارثة أول الموالي رضي الله عنهم أجمعين، وهذا كله في اليوم الأول للدعوة.
ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بناته إلى الإسلام السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها وهي الكبيرة، والسيدة رقية كان عمرها سبع سنين، والسيدة أم كلثوم كان عمرها ست أو خمس سنوات، فكلهن دخلن في الإسلام في هذا السن المبكر جداً، أما السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها فقد كانت صغيرة جداً وقت البعثة.
هذا كان الوضع في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.