قصة إسلام أبي سفيان ودوره في فتح مكة

لقد عرض الرسول عليه الصلاة والسلام الإسلام على أبي سفيان بمنتهى القوة، فهو يعرض عليه الإسلام لنجاته وإلا فالأصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حل من دماء قريش؛ لأنهم خالفوا صلح الحديبية وقتلوا رجالاً من قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، فعرض عليه الإسلام بصيغة فيها ترهيب واضح قال: (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟) تهديد واضح، ذهب وقت الإقناع والمحاورة، والآن نحن على أبواب حرب، وأبو سفيان ليس بالرجل السهل فهو من دهاة العرب، واستطاع أن يقوّم الموقف بأسرع وقت وبصورة واقعية، ولذلك تلطّف في الحوار وأجاب بصورة تجمع بين الموافقة وعدم الاقتناع الكامل، فقال أبو سفيان: (بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً)، وبعد مدح الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجاوب إجابة مباشرة قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله، ولكن قال: لو كان هناك آلهة أخرى كاللات أو هبل أو غيرهما لدافعت عنا، فانتقل معه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النقطة الأصعب: وهي الاعتراف بنبوة الرسول عليه الصلاة والسلام: لأن العرب ما كانوا ينكرون أن الله عز وجل هو الخالق، ولكنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، أما قضية النبوة والرسالة فهذه كانت مرفوضة عندهم تماماً، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟) فـ أبو سفيان حتى هذه اللحظة لم يقتنع بقضية الإيمان، وهو لا يريد في نفس الوقت أن يكذب وهو سيد قريش، وكان كما يقول عن نفسه: وكنت امرأ أتكرم على الكذب، وفي نفس الوقت لا يريد أن يأخذ موقفاً حاداً تكون فيه نهايته، وإنما قال أبو سفيان: (بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن)، أي: أنه وإلى هذه اللحظة لم يكن مقتنعاً بنبوته صلى الله عليه وسلم، فهو متردد، لا يتصور أبو سفيان أن تنهار مقاومته كلها في لحظة، وهنا تدخل العباس رضي الله عنه ليدرك أبا سفيان فـ العباس مدرك صعوبة الموقف، واحتمال قتل أبي سفيان وغزو مكة وإهلاك قريش احتمال وارد جداً، وعمر بن الخطاب صرّح بذلك في اليوم الذي قبيل هذا اليوم، فقال العباس في منتهى القوة: (ويحك يا أبا سفيان أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك)، وهذا ليس إكراهاً في الدين، بل هو رحمة؛ لأن قتل أبي سفيان في هذا الموقف لا يستنكره أحد؛ فهو يسمى في أعراف الدول: بمجرم الحرب؛ لأنه دبر اغتيالاً جماعياً قبل ذلك لسكان المدينة المنورة في غزوة الأحزاب، هذا غير فتنة الناس عن دينهم طول سنوات مكة والمدينة، غير نقضه العهد مع الرسول عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية، فقد أصبح حلال الدم، وهذا في عرف الجميع مقبول، وإسلامه يرفع عنه عقوبة مستحقة وله الخيار، فـ أبو سفيان رجل واقعي فقد أدرك خطورة الموقف ولذلك نطق بالشهادتين مباشرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأعلن إسلامه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، والعباس رضي الله عنه صديق قديم لـ أبي سفيان، ويرى الأزمة التي وضع فيها أبو سفيان، ويرى الانهيار الذي تعرض له، ولهذا طلب العباس رضي الله عنه من الرسول عليه الصلاة والسلام طلباً ليخرج أبا سفيان من هذه الأزمة، فقال: (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً)، هنا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام يفكر في الأمر، ومن الواضح أن إسلام أبي سفيان كان إسلام اضطرار، فهو لم يقتنع بعد بالنبوة، ولم يشعر بالانتماء الحقيقي للنظام الجديد، فقد ينتهز أي فرصة للانقلاب على المسلمين، وأبو سفيان عظيم مكة لعدة سنوات، فإن لم ينزله صلى الله عليه وسلم منزله فإن هذا سيؤثر سلباً لا شك على أبي سفيان وعلى أهل مكة جميعاً، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أعطى أبا سفيان شيئاً فهو سوف يستخدمه لصالح الإسلام، وسيكون أبو سفيان من رجاله وولاته بدلاً من أن يكون من أعدائه، وقد يرى ذلك بقية زعماء مكة فيطمعون في شيء من سلطان المسلمين كما أخذ أبو سفيان؛ ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام قرر أن يعطيه شيئاً، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لا يملك مالاً كثيراً يليق بزعيم مكة، ولا يستطيع أن يعده بإمارة؛ لأنه لم يستوثق بعد من صدق إيمانه؛ لأن الظاهر أنه أسلم مضطراً، وقد يؤذي المسلمين بإمارته سواء على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015