ثانياً: الوضع العسكري لقريش.
كان الوضع العسكري لقريش ضعيفاً، ويزداد ضعفاً مع مرور الوقت، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى هذا من سنتين وأكثر، ولا ننسى في صلح الحديبية أنه قال في المفاوضات: (وإن قريشاً قد وهّنتهم الحرب وأضرت بهم)، وبعد الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزونا) يعني: نحن نسير إليهم، فهو صلى الله عليه وسلم يرى أن الدولة الإسلامية في علو واضح، وقريش في هبوط واضح، والوقت الذي مر بعد صلح الحديبية لم يكن في صالح قريش، ورأينا تحول الرجال والنساء من الكفر إلى الإيمان، فهذا إضافة إلى الدولة الإسلامية، وفي نفس الوقت هو نقص في الدولة الكافرة.
وأحلاف قريش تكاد تكون محصورة فقط في بني بكر، وعلاقة قريش بهذا الحليف ليست قوية؛ لأنه كان بين قريش وبين بني بكر خلافات من أيام بدر، وهذه العلاقة بين أهل الباطل بين قريش وبين بني بكر أو أي حليف قد تتغير من حال إلى حال أخرى في وقت سريع وعاجل إذا تغيرت المصالح.
ولعل قريشاً إذا اتخذت موقفاً عسكرياً معيناً فقد تأتي بنو بكر وتخالف هذا الموقف، وتعتذر لخزاعة وللمسلمين وتفك الحلف بينها وبين قريش، فهذا كله وارد وممكن جداً، ورأته قريش قبل هذا في تاريخها أكثر من مرة، والحلف بينهما حقيقة ليس قوياً، والدليل على أنه عندما فُتحت مكة لم نجد أي مساعدة من أي نوع من بني بكر لقريش ضد المسلمين، مع أن مقتضيات معاهدة الحديبية تلزم بني بكر بالدفاع عن قريش إذا داهمها المسلمون، فما بالك لو كانت بنو بكر هي السبب في المشكلة، فهي التي خانت العهد، وهي التي هجمت على خزاعة، وما بالك لو كانت قريش أعانت بني بكر! فكل هذا كان من المفروض أن يجعل بني بكر تساعد قريشاً في أزمة الفتح، لكن لم نر ذلك وهكذا المعاهدات العلمانية القائمة على غير عقيدة صحيحة.
وعلى العكس كان الجيش الإسلامي وحدة مترابطة، يجمعها رباط واحد وهو رباط العقيدة، والرسول عليه الصلاة والسلام يرى هذه العلاقات متينة وقوية.
إذاً: كان الموقف العسكري لقريش في أزمة كبيرة جداً؛ فقريش فقدت مجموعة من أعظم قادتها منذ شهور قليلة فقط، وهذا تمهيد رباني للفتح، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي كان سبباً في انتصار المشركين في أحد، فقد كان قائد الفرسان الفذ الذي له سمعة في الجزيرة بكاملها، فهذا الرجل انضم إلى المعسكر الإسلامي، وليس فقط خسارة على قريش، بل كسبه المسلمون، وصار إضافة هائلة للدولة الإسلامية.
وهذا عمرو بن العاص أيضاً من أعظم دهاة العرب فقدت قريش قوته وأُضيفت قوته للمسلمين.
وهذا عثمان بن طلحة أيضاً ليس فقط من الفرسان الأشداء، ولكنه من بني عبد الدار، وحامل مفتاح الكعبة فإضافته للدولة الإسلامية إضافة في منتهى القوة، وقد رأينا عائلة عثمان بن طلحة جميعها أُبيدت حول راية المشركين في غزوة أحد تدافع عن راية المشركين، وقبيلة بني عبد الدار لها تاريخ طويل جداً في الدفاع عن حرمات قريش، والآن زعيم هذه العائلة وعميدها عثمان بن طلحة ينضم إلى المسلمين، وليس من البعيد أن جميع بني عبد الدار تنضم إلى المسلمين، فهذا يسبب اهتزازاً واضحاً جداً للصف المشرك.
إذاً: الوضع مستقر جداً للدولة الإسلامية، وفي الناحية الأخرى وجود ضعف عند قريش، ومع مرور الوقت يزداد هذا الضعف، وتقل الأحلاف، والجنود يقلون، والقادة يُفقدون ولصالح المسلمين.