قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعدة خطوات مهمة لمواجهة قبائل الشمال المتحالفة مع الرومان: أولاً: كون أكبر جيش إسلامي خرج من المدينة حتى تلك اللحظة، وعدد هذا الجيش ثلاثة آلاف مقاتل، فهو أكبر رقم يحارب في التاريخ الإسلامي إلى تلك اللحظة.
ثانياً: ولى على الجيش زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، وزيد بن حارثة كان قد قضى فترة تدريبية هامة جداً في السنة السادسة من الهجرة، فقد قاد خمس سرايا متتالية، وكان زيد بن حارثة قد جاء إلى هذه المنطقة قبل ذلك، جاء إلى شمال الجزيرة العربية في سرية حسمى سنة ست، وكانت من السرايا الضخمة الكبيرة، فهو أعلم بهذه المنطقة من غيره من الصحابة.
ثالثاً: لم يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الغزوة أميراً واحداً، بل عين ثلاثة من الأمراء، إن قتل واحد تولى الآخر، فقال: (إن قتل زيد فـ جعفر بن أبي طالب، وإن قتل جعفر فـ عبد الله بن رواحة)، وواضح من هذه التولية المتتالية للأمراء أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتوقع حرباً ضروساً في هذه المنطقة، حرباً يقتل فيها الأمراء الثلاثة، وهي المرة الأولى والأخيرة في حياته صلى الله عليه وسلم التي يولي فيها ثلاثة من الأمراء على جيش واحد، ولعل ذلك كان بوحي من الله عز وجل.
رابعاً: أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجيش البطل الإسلامي الفذ خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولم يكن مر على إسلام خالد إلا ثلاثة أشهر فقط، ولعل حداثة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه هي التي منعت الرسول عليه الصلاة والسلام من تولية خالد على ذلك الجيش؛ لأنه لا يعرف جنود المسلمين ولا يعرف طاقاتهم، كما أنه لم يختبر بعد مع الصف المؤمن، فهذه أول مهمة يختبر فيها خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه بعد أن أسلم.
ومهمة قيادة ثلاثة آلاف مسلم مهمة كبيرة، تحتاج إلى رجل له تاريخ مأمون مع المسلمين، وعمر خالد في الإسلام ثلاثة أشهر فقط، وعمره في الجاهلية أكثر من عشرين سنة، فلا بد من اختبار.
تجهز الجيش الإسلامي بهذه الصورة القوية، ومع أن المهمة صعبة والطريق طويلة جداً، أكثر من ألف كيلو من المدينة المنورة، والطريق في صحراء قاحلة، والخروج كان في حر شديد؛ لأن خروج المسلمين كان في جمادى الأولى سنة ثمان وهذا يوافق أغسطس سنة (629) م، يعني: في شدة الحر.
مع كل هذه المصاعب إلا أن معنويات الجيش الإسلامي كانت مرتفعة جداً، وخاصة أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج بنفسه لتوديع الجيش، واستمر يمشي معهم حتى بلغ ثنية الوداع.