كانت غزوة خيبر غزوة مهولة من غزوات المسلمين، وتركت أثراً ضخماً جداً على الجزيرة العربية، وأشد هذه الآثار على اليهود القريبين من خيبر أو البعيدين عن خيبر، فكل اليهود في المنطقة بعد أن سمعوا أنباء خيبر بدءوا يفكرون تفكيراً جدياً في التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء يهود فدك فقد قبلوا أن ينزلوا على نفس الصلح الذي نزلت عليه يهود خيبر، على أن يكون لهم النصف من الثمار كنفس المعاهدة التي تمت في خيبر.
كذلك يهود وادي القرى قاوموا في البداية بعض المقاومة، ثم إنهم بعد ذلك قبلوا أيضاً بنفس الصلح.
وكذلك يهود تيماء، وبذلك حيد جانب اليهود تماماً في الجزيرة العربية.
فعاد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد هذه الغزوة إلى المدينة المنورة في أواخر صفر، أو أوائل ربيع الأول سنة سبع، يعني: بقي أكثر من شهر في منطقة خيبر، كما توقع صلى الله عليه وسلم أنه سيبقى وقتاً طويلاً هناك.
فيكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد تخلص نهائياً من خطر اليهود، فإذا أضفنا إلى هذا التخلص ما حدث في صلح الحديبية مع قريش فسنجد أن معظم القوى الموجودة في الجزيرة قد تعامل معها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق من قوى الجزيرة إلا قوة غطفان، وإن وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا، لكنها تحتاج هي الأخرى إلى وقفة جادة وتصرف حكيم سريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ترى ماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع غطفان؟ وماذا كان موقف الجزيرة العربية بعد هذا الفتح العظيم، فتح خيبر؟ وما هي الآثار الضخمة لصلح الحديبية التي بدأ المسلمون في جنيها في العام السابع من الهجرة؟ وما هي عمرة القضاء التي اتفق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش على أن تكون بعد عام من صلح الحديبية؟ هذه الأحداث وغيرها سنتحدث عنها في درسنا القادم.
نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.