عادة الحروب القديمة أن يبدأ القتال بمبارزة بين أحد الفرسان من فريق، وأحد الفرسان من الفريق الآخر، والمنتصر في هذه المبارزة يعطي دفعة معنوية كبيرة للفريق الذي انتصر في هذه اللحظات الأولى من القتال، فاليهود أخرجوا أحد أبطالهم وأشد فرسانهم وكان اسمه مرحباً، وكان عملاقاً ضخم الجثة، وخرج وطلب المبارزة فخرج له عامر بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه، وسرعان ما دارت المبارزة بين الاثنين، وضرب عامر بن الأكوع مرحباً اليهودي ضربة كبيرة، ولكن طاشت الضربة ولم تصل إلى مرحب، لكن هذه الضربة أكملت الطريق ووقع سيف عامر نفسه في ركبته، فقتل عامر بسيفه خطأ، واستشهد رضي الله عنه وأرضاه، فقال الناس: قتل نفسه، وتأثر الناس جداً من هذا الموقف، بل وصل الأمر إلى أن بعض الصحابة قالوا: حبط عمله، وكأنه قد قتل نفسه بإرادته، وهذا لم يحدث، ودليل ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام علق بعد ذلك على هذه الحادثة، وأثنى على عامر بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه، فقال: (إن له لأجرين، وجمع بين إصبعيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنه لجاهد مجاهد) يعني: مجتهد جداً في العلم والعبادة والعمل، مجاهد في سبيل الله.
(قل عربي مشى بها مثله) يعني: نادر جداً من العرب من مشى في أرض المعركة أو مشى في الأرض بصفة عامة مثل هذا الرجل المجاهد عامر بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه، لكن في أرض المعركة أحدث قتل عامر بن الأكوع هزة عند المسلمين، ورفع الروح المعنوية عند اليهود، فوقف مرحب القائد اليهودي يطلب المبارزة من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته في اللحظات الأولى من القتال، فخرج له من المسلمين البطل الإسلامي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه حامل راية المسلمين في موقعة خيبر، ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم من الله عز وجل على علي بن أبي طالب بالنصر، كما تنبأ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، (رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه)، وبالفعل فتح الله عز وجل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتل مرحباً، وقتل مرحب فيه إشارة كبيرة إلى أن النصر سيكون للمسلمين؛ لأن مرحباً كان أقوى رجل في اليهود، وكان اليهود لا يتصورون أبداً أن يقتله أحد المسلمين، وخرج أخو مرحب واسمه ياسر، وأراد الثأر لأخيه، وكان أيضاً من العمالقة اليهود، خرج يطلب المبارزة فخرج له الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه، واستطاع الزبير رضي الله عنه وأرضاه أن يقتل ياسراً أخا مرحب، وكانت بداية الانتصار للمسلمين واحتدم اللقاء بين الفريقين، واللقاء لم يتم في ساعة أو ساعتين ولكن استمر عدة أيام منفصلة، وهذا غريب في عرف القتال عند العرب؛ لأن العادة -كما رأينا قبل ذلك في بدر وفي أحد وفي غيرهما- أن يكون اللقاء يوماً واحداً، لكن في هذا اللقاء الشديد دارت المعركة أكثر من يوم، حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وتركوه فارغاً للمسلمين, وكان هذا التسلل ليلاً في أحد الأيام، وانتقلوا إلى الحصن الذي وراءه وهو حصن الصعب بن معاذ، واحتل المسلمون حصن ناعم، وكان ذلك رافداً قوياً للجيش الإسلامي في موقعة خيبر.