نستطيع بهذا أن نتبين بعض ملامح الجيش المنصور من الخطوات السابقة: أولاً: الجيش بكامله من المؤمنين وهذا أهم عامل، فالرسول عليه الصلاة والسلام حدد الخروج في أولئك الذين شهدوا صلح الحديبية، حتى لو كان هؤلاء قلة، فإنهم سينتصرون بإذن الله عز وجل.
فكل الجيش كان مؤمناً، وكان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويجمعهم رباط العقيدة، وقد تخلت غطفان عن اليهود؛ لأنه لا يربطهم ببعضهم إلا المصالح الدنيوية، أما الجيش الإسلامي بشتى فروعه: قبائل الأنصار، وقبائل المهاجرين، وغير ذلك من القبائل التي دخلت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، كل هذا الجيش كان وحدة واحدة، وهذا من أهم عوامل النصر.
وكذلك الأخذ بالأسباب: إعداد العدة، والخطة، والخطط البديلة، وتغيير الاتجاه، والعيون، فكل شيء يستطيع أن يفعله عليه الصلاة والسلام من أسباب النصر فعله صلى الله عليه وسلم، فهو سيدخل منطقة خيبر وعنده مقومات النصر للمسلمين.
واقترب الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر جداً، وكان هذا الاقتراب في الليل، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل بالليل، كان ينتظر حتى يأتي الفجر، ثم يقاتل بعد الفجر صلى الله عليه وسلم، فاختار صلى الله عليه وسلم مكاناً وعسكر فيه قريباً من مجموعة حصون اسمها حصون النطاة، على وزن حصاة، وكانت مجموعة حصون كبيرة في منطقة خيبر، وعندما اختار الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك المكان جاء إليه الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه وقال: (يا رسول الله! إن هذا المنزل قريب من حصن نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وهذا بين النخلات، ومكان غائر، وأرض وخيمة) يعني: هذا مكان بين النخلات قد يتسلل اليهود من خلال النخيل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يدركون هذا التسلسل.
(فلو أمرت بمكان آخر نتخذه معسكراً، فقال صلى الله عليه وسلم: الرأي ما أشرت به) وغير عليه الصلاة والسلام المكان إلى المكان الذي أشار به الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه، والحباب قبل ذلك أشار بمثل هذه المشورة في موقعة بدر، ورأينا سعة صدر الرسول عليه الصلاة والسلام لقضية الشورى وسماع آراء الآخرين، وكيف كان ذلك سبباً للنصر في بدر، وسيكون سبباً من أسباب النصر في خيبر، وهي سنن ثابتة كما نرى.