إن معاهدة صلح الحديبية بالمقارنة بمعاهدات المسلمين مع اليهود في زماننا هذا، وأشهر هذه المعاهدات معاهدة (أوسلو) ومعاهدة (خارطة الطريق) وغيرهما من المعاهدات بين المسلمين واليهود، وفي هذه المعاهدات أُقِرَ اليهود على باطل، وهو امتلاكهم لأرض فلسطين، أو لجزء من أرض فلسطين، والمسلمون جميعاً كانوا مقتنعين تماماً الاقتناع أن فلسطين أرض إسلامية، أو أرض عربية كما كانوا يقولون، لكن بعد هذه المعاهدات أقر بعض المسلمين أن جزءاً من أرض فلسطين لم يعد مملوكاً للمسلمين.
وفي هذه المعاهدات قلب العداء بين المسلمين واليهود إلى صداقة، ويتبع ذلك رفع عداوة اليهود من مناهج التعليم والإعلام؛ من أجل أن يصعد جيل من المسلمين لا يعرف عدوه من صديقه، وهذا شيء خطير جداً.
وفي هذه المعاهدات لم يحدد المسلمون فترة معينة للمعاهدة ثابتة أو مفتوحة، وإنما السلام الدائم مهما حدث، وهذا شيء خطير.
وفي هذه المعاهدات لم يعترف اليهود بالأحلاف التي بين المعاهد وبين الدول الأخرى، يعني: في كامب ديفيد لم يعترف اليهود بمعاهدات مصر مع الدول الأخرى، فلو دخلت إسرائيل مع دولة أخرى من دول العالم الإسلامي في حرب ليس لمصر أن تعترض؛ لأن بنود المعاهدة تقر بأنه ليس هناك حرب بين إسرائيل وبين مصر، فماذا حصل بعد هذا؟ الذي حصل بعد هذا أن إسرائيل غزت لبنان بعد كامب ديفيد بسنوات قليلة جداً، ففي عام (1982) م غزت إسرائيل لبنان ولم تستطع مصر أن تدافع عن لبنان بجيشها، مع أن هناك معاهدة دفاع مشترك بين مصر ولبنان، كما يقر بذلك ميثاق جامعة الدول العربية، لكن ما دام هناك معاهدة مع إسرائيل فإن مصر لا تدافع عن دولة أخرى إذا حاربتها إسرائيل، وكان كل دور مصر أن تخرج ياسر عرفات من لبنان مع وجود الجيش اليهودي في داخل لبنان، وهذا شيء خطير جداً.
هذا العقد بين إسرائيل ومصر عُقد وليس للمسلمين القوة الكافية للردع لو حصلت مخالفة؛ لأن سيناء التي هي محل النزاع أصلاً لم يترك فيها جيش مصري، أقصى مسافة يمكن أن يكون فيها الجيش المصري على بعد (5) كيلو متر من قناة السويس، بينما يوجد جيش اليهود على بعد ثلاثة كيلو مترات من رفح، يعني: بقيت منطقة سينا بكاملها خالية من السلاح ومن الجيش، مع أنها صارت مصرية، فهذا بالتالي يجعل الجنود المصريين أو المسلمين عند الإسماعيلية وبور سعيد والسويس، بينما جنود اليهود عند رفح في أي لحظة من لحظات التعدي جنود اليهود سيكونون داخل سينا، ورأينا عندما حصلت مخالفة في داخل رفح لم يستطع المصريون المقاومة المسلحة لهذا الأمر؛ لأن الجيش المصري في الإسماعيلية وبور سعيد والسويس ليس في رفح، وكان من المفروض أن يكون جيشنا على بعد (3) كيلو متر من رفح، كما أن جيشهم على بعد (3) كيلو متر من رفح، أليست رفح هي الحد الفاصل؟ المسافة العدالة الفاصلة أن يكون بيننا وبين رفح (50) كيلو، ويكون بينهم وبين رفح (50) كيلو، بيننا وبين رفح (1000) كيلو، وبينهم وبين رفح (1000) كيلو، هذا هو العدل، لكن ألا يكون عندك أي نوع من الحماية لأرض لك، وجيوش عدوك على بعد مسافة ثلاثة كيلو مترات فقط من الحدود، هذا أمر غير مقبول.
ثم من الذي يراقب هذا العهد؟ أمريكا الموالية لإسرائيل، والأمم المتحدة المؤسسة لإسرائيل، أليس هذا هو الحاصل؟ وإذا حدث خلاف بين الطرفين من الذي سيحكم، ستحكم أمريكا أو الأمم المتحدة، وكلنا نرى ذلك.
ثم الأخطر من كل ما سبق في هذه المعاهدة أنه تم الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة مستقلة في فلسطين، فكونها تعقد الأحلاف والمعاهدات وتعترف بها دولة من أكبر دول المنطقة كمصر هذا من أفضل نجاحات اليهود في الخمسين السنة الأخيرة، وقبل ذلك كان المسلمون جميعاً يطلقون على اليهود: الكيان الصهيوني، أو يطلقون عليهم: المحتلين اليهود، لكن بعد معاهدة كامب ديفيد صارت دولة إسرائيل ولها سفارات في معظم العالم الإسلامي.
أما نتائج صلح الحديبية فمختلفة تماماً عن نتائج هذه المعاهدات المعاصرة.
وبعد الاعتراف بإسرائيل تم فصل مصر عن العالم العربي، أليس كذلك؟ ونتج عن هذا الاعتراف خلاف دائم بين مصر والعالم العربي، وحصل شقاق كبير جداً جداً في الصف المسلم، لكن بعد صلح الحديبية حصل العكس تماماً، دخل مسلمو اليمن في الدولة الإسلامية، وعاد مسلمو الحبشة إلى الدولة الإسلامية، وتوافدت القبائل المسلمة إلى الدولة الإسلامية، وحصلت وحدة بعد صلح الحديبية وليس فرقة.
أقول لكم كلمة موجعة جداً: صلح الحديبية فعلاً شبه كامب ديفيد لكن بطريقة عكسية، يعني: حقق اليهود الفوائد التي حققها المسلمون من صلح الحديبية، والمسلمون في زماننا الآن خسروا الخسائر التي خسرتها قريش في صلح الحديبية، وراجعوا الصلحين وضعوهما مع بعض وقارنوا بينهما ستجدون أن هذا الكلام صحيح مائة بالمائة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن صلح الحديبية تم والحمد لله، وكتب بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين سهيل بن عمرو، لكن هل أعجب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هذا الص