أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثاني من دروس السيرة النبوية العهد المدني فترة الفتح والتمكين.
وفي هذا الدرس إن شاء الله سنتحدث عن حدث من أعظم أحداث السيرة النبوية، وأعظم أحداث الأرض بصفة عامة، وهو لحظة فارقة حقيقية في تاريخ الأمة الإسلامية، وله انعكاسات ليس فقط على الجزيرة العربية، ولكن على العالم أجمع كما سيتبين لنا إن شاء الله، وهذا الحدث العظيم هو صلح الحديبية.
ويكفي في وصف عظمة هذا الحدث أن الله عز وجل سماه بالفتح المبين، الفتح الذي جاء في الآية: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1] الكثير من المفسرين يفسرون هذا الفتح المبين بأنه صلح الحديبية، ويكفي الذين اشتركوا في هذا الخروج إلى صلح الحديبية من الصحابة أنه سبحانه وتعالى قد رضي عنهم تصريحاً في كتابه الكريم قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]، وكان عددهم (1400) صحابي، فهذا الجمع الهائل من الصحابة صرح ربنا سبحانه وتعالى أنه قد رضي عنهم، وهذا أمر يستوجب منا الوقوف والدراسة والتأني في بحث هذا الموضوع الهام الخطير، لكن لا نستطيع أن نفهم أبعاد صلح الحديبية إلا بالرجوع إلى ما ذكرناه في الدرس السابق، وقد ذكرنا فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب قال كلمته المشهورة: (الآن نغزوهم ولا يغزونا)، ومن ثم كانت السنة السادسة من الهجرة هي السنة التي تلت غزوة الأحزاب، وكان في مجملها مجموعة من السرايا والغزوات في كل مكان في الجزيرة العربية، ونتج عن ذلك آثار كثيرة لخصناها في آخر الدرس السابق، ومجمل هذه الآثار: أن الدولة الإسلامية أصبحت دولة مرهوبة لها قوة وهيبة وعظمة في قلوب جميع العرب بما فيهم قريش، وأن قريشاً بدأت تفتقد إلى الأعوان والأحلاف والأصحاب، وميزان القوى بدأ يسير في صف المسلمين على حساب قريش، هذا الأمر سيكون له مردود هام جداً في صلح الحديبية، كما سيتبين لنا الآن.