غارة عيينة بن حصن الفزاري على بعض ممتلكات المسلمين حول المدينة وردة فعل المسلمين تجاه ذلك

بعد أسبوعين كاملين من الغياب عن المدينة المنورة، وفي أثناء عودة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة أغار عيينة بن حصن الفزاري على بعض ممتلكات المسلمين في خارج المدينة المنورة، في منطقة تعرف بالغابة، وأخذ منها إبلاً وشياهاً للمسلمين، وقتل راعيها -وهو رجل من غفار- واحتملوا امرأته، وهرب عيينة بن حصن في اتجاه الشمال الشرقي للمدينة في ناحية منازل غطفان، ووصل الخبر إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم نقل له سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه، وسلمة من أعظم الرماة في الإسلام، فلما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك عاد سلمة مسرعاً إلى منطقة الغابة وظل يرمي الفرقة الغازية فقتل بعضهم وأصاب بعضهم.

وأخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فرقة سريعة الحركة من الفرسان، وأمر عليهم سعد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وهذا غير سعيد بن زيد المهاجري رضي الله عنهم أجمعين، وكان في هذه الفرقة المقداد بن عمرو وعباد بن بشر وأبو قتادة وعكاشة بن محصن رضي الله عنهم أجمعين، ومجموعة من خيار فرسان الصحابة، وقال صلى الله عليه وسلم لأميرهم سعد بن زيد: (اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس) وخرجت هذه الفرقة السريعة، والرسول عليه الصلاة والسلام تبعها بعد ذلك بجيش من المسلمين، وأدرك هذه الفرقة عند مكان يسمى ذو قرد على بعد حوالي (35) كيلو متر شمال شرق المدينة المنورة.

في هذه الغزوة قتل أبو قتادة رجلاً من المشركين، وقتل عكاشة بن محصن رجلين، واستنقذ المسلمون بعض الإبل والشياه، وفرت المرأة المسلمة امرأة أبي ذر ونجت بنفسها إلى المدينة المنورة، وهرب عيينة بن حصن ومن معه ببعض الإبل.

وطلب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل معه من الرجال ليغزو بهم قبائل غطفان في مكانها، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض ذلك؛ لأن قبائل غطفان قبائل قوية جداً ومنازلها بعيدة عن المدينة المنورة، ولا يريد أن يدخل معها في صراع وهو لم يعد العدة الكافية لذلك.

إذاً: الرسول عليه الصلاة والسلام يكافح ويجاهد ويستخلص الإبل قدر المستطاع في واقعية دون تهور، فقد كان كل ذلك في حدود المدينة المنورة، وفي نفس الوقت هو لا يتهور بإرسال جيش إلى مغامرة غير مأمونة، وعلى العكس من ذلك فقد أخذ جيشه القليل صلى الله عليه وسلم وذهب به إلى بني لحيان؛ لأن هناك اختلافاً بين بني لحيان وبين بني غطفان، فقبيلة لحيان وإن كانت قوية إلا أنها أقل بكثير جداً من قبائل غطفان، فالرسول عليه الصلاة والسلام يعطي لكل أمر قدره، يحسب حساباته بدقة، ويتصرف على ضوء هذه الحسابات، في توازن رائع وفقه عميق.

هذه الحملة الأخيرة التي قادها صلى الله عليه وسلم تعرف بغزوة الغابة، وهو المكان الذي أغار عليه عيينة بن حصن، أو غزوة ذي قرد، وهو المكان الذي وصل إليه صلى الله عليه وسلم في مطاردته للمشركين، وهذه الغزوة كانت في ربيع الأول أو ربيع الثاني سنة (6) هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015