إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية: الفترة المكية.
هناك سؤال قد يستغربه البعض: لماذا ينزل الوحي في مكة؟ لماذا تحدث قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية؟ لماذا لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس أو الروم، أو في فلسطين مثل بقية الأنبياء، أو في مصر مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام؟ إخواني! لا توجد نقطة واحدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشوائية؛ إذ كل شيء بحساب، كل شيء مقصود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون قدوة لكل المسلمين إلى يوم القيامة، فلابد أن تكون كل خطوة في هذه الشخصية محسوبة تماماً.
كان الوضع في جزيرة العرب هو الوضع المناسب لقيام الدعوة الإسلامية, يتضح ذلك من آثار التجربة الإسلامية الأولى، فقد كانت تجربة ناجحة تماماً، والبيئة التي نشأت فيها الرسالة كانت بيئة صالحة، فقد رأينا الإسلام ينتشر بسرعة في الأرض، ففي غضون سنوات قليلة لا تحسب في التاريخ بشيء وصل الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها، بل ودخل الناس في دين الله أفواجاً، راغبين غير مكرهين.
إذاً: فنحن نسأل هذا السؤال ونهدف من ورائه لمعرفة المقومات التي أنجحت رسالة الإسلام.
من المعلوم أن الرسالة من الممكن أن تحقق نجاحاً ذاتياً في أي مكان تقوم به؛ لأن الرسالة في ذاتها عظيمة تصلح لكل زمان ومكان، لكن من منظور هذه المجموعة من الدروس نحن نقول: كيف نبني أمة؟ فأول البناء هو وضع الأساس، ونحن نريد أن نعرف لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختار هذا المكان بالذات لوضع الأساس لهذا المشروع العظيم، مشروع الإسلام.
ما هي مواصفات هذا المكان؟ ما هي ظروفه؟ ما هي طبيعته؟ لو استطعنا أن نعرف هذه المواصفات لسوف نستخرج قواعد في غاية الأهمية لإعادة بناء الأمة الإسلامية على أساس صحيح، وسوف نعلم ما هي البيئة التي يمكن أن تكون أصلح لنشأة الدعوة الإسلامية، ولنشأة هذا الدين وتمكينه.
أما الحكمة الكامنة وراء ذلك الأمر فلا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحاول أن نبحث على قدر الاستطاعة، ونسأل الله عز وجل التوفيق.