بدأت الهزيمة تدب في الجيش المشرك ثلاثة آلاف مشرك، كأنهم يقابلون ثلاثين ألف مسلم، مع أن المسلمين كلهم سبعمائة، وبدأ المشركون يفكرون في الهروب، وبدءوا فعلاً في الهروب، وعادوا يتراجعون إلى الوراء شيئاً فشيئاً، ثم بدءوا يولون وجوههم قبل مكة، حتى إنهم تركوا النساء وراءهم.
يقول الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير.
يعني: انتهت الموقعة ومن الممكن أخذ النساء سبياً.
فكان نصراً عظيماً للجيش المسلم، لا يقل هذا النصر روعة عن نصر بدر، فالله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] تحسونهم أي: تستأصلونهم، فالله سبحانه وتعالى وعد المسلمين إن كانوا صابرين ومتبعين لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم النصر في أحد وفي غيرها، وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قبل الخروج إلى أحد، والمسلمون إلى هذه اللحظة ملتزمون تماماً بما قال لهم صلى الله عليه وسلم، وبما كانوا عليه يوم بدر؛ لذلك تحقق النصر حتى هذه اللحظة.
إذا وقفنا وحللنا فإننا سنجد أن هذا الجيش إلى الآن مؤمن بالله عز وجل، ومؤمن باليوم الآخر يطلب الجنة، والشورى طبقها، والإعداد الجيد طبقه، والقائد في هذا الجيش يعيش مع شعبه ويشترك معهم في كل صغيرة وكبيرة، وأخوة في الله واضحة في أثناء القتال، والأمل في قلوبهم، واليقين في نصر الله عز وجل يملأ نفوسهم، والأمر موسد إلى أهله، والصفات العشر التي تكلمنا عنها في غزوة بدر كلها متحققة إلى هذا الوقت في جيش أحد، فكان النصر للمسلمين.