الملمح الثاني مهم لنقف عليه في غزوة بني قينقاع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ير التساهل مطلقاً مع اليهود بعد هذا الموقف الذي فعلوه مع المرأة المسلمة ومع الرجل المسلم الذي قتل؛ لأن فعلهم كان مخالفة صريحة للمعاهدة التي بينه وبينهم، ولو سكت صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود للمعاهدة مرة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك -لزاد اليهود من تطاولهم، وبالتالي يبدءون الدخول في مرحلة ثانية من الاستهزاء بالدولة الإسلامية وبكرامتها، وعندما يكون هناك تساهل بالأمر الجديد سيعملون أشياء أخرى أكثر وأكثر، وحدود اليهود ليست لها نهاية.
ورأينا هذا الفعل من اليهود سواء في السابق أو في اللاحق، وسنظل نراه من اليهود إلى يوم القيامة؛ لأن هذه طبيعة من طبائع اليهود.
ففي العصر الحديث خالف اليهود القوانين الإسلامية، وبدءوا بالهجرة إلى فلسطين وكانت الهجرة إلى فلسطين ممنوعة عليهم، وسكت المسلمون، وبعد ذلك تملك اليهود الاقتصاد الفلسطيني في داخل فلسطين بكاملها، كذلك المسلمون لم يحركوا ساكناً، واستقدم اليهود السلاح الخفيف في داخل فلسطين، كذلك سكت المسلمون عن ذلك، واستقدم اليهود السلاح الثقيل في داخل فلسطين، وكذلك سكت المسلمون عن ذلك، ثم جاء قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين اليهود والمسلمين، وكذلك السكوت هو السائد، فقامت إسرائيل سنة (1948) ثم قامت حرب سنة (1956)، ثم قامت الحرب سنة (1967)، ثم أشعلت حرب سنة (1982) ضد لبنان وهكذا كلما نسكت يأخذ اليهود منطقة أكبر، كنا نطالب بالعودة إلى حدود التقسيم، وبعد ذلك نطالب بالعودة إلى حدود (1967)، وبعد ذلك نطالب بالعودة إلى حدود الانتفاضة، والآن اليهود يعملون الجدار، وسنطالب بالعودة إلى حدود الجدار، وهكذا تساهل وراء تساهل وراء تساهل، حتى أدي للذي نراه الآن.
لذلك تجنب الرسول عليه الصلاة والسلام كل هذه المأساة، وأخذ قراراً حاسماً وسريعاً بحصار بني قينقاع، وعقابهم بالطريقة التي شرعت في المعاهدة التي بينه وبينهم قبل ذلك بسنتين.
إذاً: هذا هو الوضع الحاسم الذي علمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم.