إن صفات أهل بدر الجميلة كثيرة، من أهم صفاتهم: أنهم جيش مؤمن بالله، ومؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤمن بالجنة، ومن غير الإيمان لا يمكن أن يكون هناك نصر، وهذا القول لا نقوله كنوع من الترف الفكري، أو القصص التاريخي الذي ليس له واقع في حياة الناس، إنما نقوله ليكون منهجاً في حياتنا، ومنهجاً في تربية الأطفال والرجال والنساء، ومن غير هذا المنهج لا يوجد فرصة للإصلاح، دعوكم من مناهج الشرق والغرب، ومناهج الإصلاح الوهمية والمبنية على طلب الدنيا وبأي وسيلة، إن هذه المناهج لا تورث إلا كآبة وتعاسة في الدنيا، وشقاء وذلاً في الآخرة.
وإياكم أن تظنوا أن الغرب والشرق من أصحاب المال والسلطة والجاه والملك يعيشون في سعادة، أبداً، من يفقد منهم ماله ينتحر، ومن يموت له ابن أو حبيب يكتئب وينعزل عن المجتمع، ومن يتعرض لمصيبة تكون هذه نهاية الدنيا عنده، ومن وجد نفسه فقيراً أو من عائلة صغيرة، أو يعيش في وضع اجتماعي صغير يعيش معقداً حاقداً على المجتمع، حاسداً لكل الأغنياء، وقد يكون سارقاً وقاتلاً ومرتشياً وفاسداً، ويعيش حياة الإجرام، ولا يوجد عنده بديل.
روى الحاكم -وقال: صحيح على شرط مسلم - عن أنس رضي الله عنه وأرضاه: (أن رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل أسود - أي: رجل فاقد لكل مقومات الوجاهة في الدنيا ومتاعها - منتن الريح قبيح الوجه لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: في الجنة، فقاتل الرجل حتى قتل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما استشهد، ووقف بجانبه، يعلم الصحابة ويعلمنا - ويقول: قد بيض الله وجهك - ألم يكن يقول: إني رجل أسود؟! - وطيب ريحك وأكثر مالك)، ومعلوم أن أقل أهل الجنة ملكاً له عشرة أمثال الدنيا، فالجنة فيها سلوى وتعويض لكل مؤمن فقد أي شيء، وفيها الجزاء لكل من تعب أو سهر أو بذل أي مجهود للإصلاح.
الجنة صبّرت أم حارثة، وشجعت عمير بن الحمام، وعمير بن أبي وقاص وسعد بن خيثمة، وحارثة بن سراقة وغيرهم وغيرهم.
الجنة جعلت الحباب بن المنذر يقول رأيه؛ لكي يفيد المسلمين ويدخل الجنة بعد ذلك.
الجنة جعلت المكروه محبوباً وجعلت الموت مطلوباً، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ألا مشمر للجنة؟ ألا مشمر للجنة؟ -أي: هل هناك من يريد الجنة- فإن الجنة لا خطر لها -يعني: لا مثيل لها- هي -ورب الكعبة- نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبداً، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهية، فلما سمع الصحابة ذلك قالوا: يا رسول الله! نحن المشمرون لها؟ قال: قولوا: إن شاء الله).
وهكذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد وحض عليه، وأعطاهم شيئاً عملياً يدخلون به الجنة.
والحديث في صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه.
فعندما تملأ الجنة حياتنا بهذه الصورة، وتصبح هدفاً واضحاً في تفكيرنا، وحين نأخذ قراراً أو نعمل عملاً أو نقول كلمة أو نضحك ضحكة أو نسافر أو نقعد أو نحب أو نكره، عندما تصبح الجنة محركاً لكل حياتنا، فإننا سنرى نصراً مثل نصر بدر، وتمكيناً وعزة وسيادة مثل الذي حصل في بدر تماماً بتمام.
ونسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.