قريش أكبر قبيلة وأعز قبيلة عربية، لها تاريخ مجيد، وليس من المعتاد في الجزيرة العربية أن تقف قبيلة في مواجهتها، بل كل القبائل تحرص على إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع قريش؛ لأن قريشاً ترعى البيت الحرام، وتهتم بأمور الحجاج في مكة، ولها مكانة في قلوب العرب.
فإذا وضعت هذه الخلفية في تحليلك فلا شك أن قريشاً لن تسكت أبداً عن الطعن الخطير الذي وجهه الأوس والخزرج لكبريائها، عندما استضافوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين.
فالمسألة أصبحت مسألة كرامة وعناد وكبرياء عند قريش؛ حاول أكابر قريش وزعماؤها بشتى الطرق أن يقتلوا هذه الدعوة في مهدها، لكنهم لم يستطيعوا، وليس من السهل لهؤلاء الأسياد أن يسلِّموا بالهزيمة.
وقريش لها علاقة قوية بالأوس والخزرج، فقد كان بينهم تعاون وتحالف وتجارة وإجارة، بل كان بينهم مصاهرة وزواج، فأخوال الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كانوا من بني النجار من الخزرج، ولا شك أن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ستؤثر سلباً على علاقة قريش بالأوس والخزرج، وقد يتلو ذلك آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، وستكون هناك آثار كبيرة ووخيمة على أهل مكة، فقريش تعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى المدينة المنورة حيث يسكن اليهود، ولو أسلم اليهود فإن هذا سيضيف قوة كبيرة جداً إلى قوة المسلمين.
فاليهود لديهم سلاح وحصون وعتاد وأفراد وأموال، وقد توقع القرشيون أن يسلم اليهود؛ وذلك لأنهم أهل كتاب، يتحدثون عن الإله الواحد، ويتحدثون عن الرسل والكتب السماوية، بل إنهم يتحدثون عن ظهور نبي في هذه الفترة من الزمان، فلا يستبعد أبداً إسلامهم كما في تحليل قريش.
وبالإضافة إلى كل هذه العوامل فإن المدينة المنورة تقع على طريق التجارة من مكة المكرمة إلى الشام، وأن وفود المسلمين في هذه المنطقة كقوة ودولة سيهدد مصالح قريش التجارية بقوة، وسيضرب اقتصاد مكة بضربات موجعة، فمن المستحيل أن تترك قريش دولة الإسلام هكذا دون مقاومة.
من أجل ذلك كله كان من المتوقع أن قريشاً لن تنسى قصة الرسول عليه الصلاة والسلام وهجرته للمدينة، مع أنه صار بعيداً عنها حوالي (500) كيلو متر، وهكذا تبقى السنة الإلهية الواضحة في كتاب الله العزيز سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217].