خرج عمر من بيته متوشحاً سيفه، خرج ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، ظل يبحث في كل مكان عن الرسول وهو لا يدري أين يجلس، ودار الأرقم بن أبي الأرقم لم يكن يعرفها أحد، وفي أثناء بحثه قابله نعيم بن عبد الله رضي الله عنه، ولكن لم يكن أحد يعلم بإسلامه، وهو من نفس قبيلة عمر من بني عدي، وكان واضحاً من عمر أنه في قمة الغضب، فقال له نعيم: أين تريد؟ فقال له في منتهى الصرامة والجدية: أريد محمداً، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسفه آلهتها فأقتله! كان نعيم رضي الله عنه يعلم أبعاد هذه الكلمات، ولا يوجد لديه وقت لتنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يفكر كثيراً، ووجد نفسه مضطراً إلى كشف سر إسلام أخت عمر بن الخطاب السيدة فاطمة بنت الخطاب وإسلام زوجها سعيد بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، حتى وإن كان عمر سيقتلهما، ولكنه في المقابل سيجد الوقت الكافي ليبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ حذره.
فـ نعيم كان يظن أن هذا هو الحل الوحيد الذي قد يصرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مراده؛ لأنه لو أخبره عن إسلام أي شخص آخر لن يهتم، ولكن إسلام أخته وزوجها شيء يطعن في كرامة عمر رضي الله عنه، قال نعيم: والله لقد غرتك نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟ يخوفه من بني عبد مناف، فربما تنفع، ثم قال له: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم.
يعني: اذهب إلى أهل بيتك أولاً وابدأ بهم ثم التفت إلى محمد.
فصرخ عمر في فزع: أي أهل بيتي؟ فقال: ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما، وتابعا محمداً على دينه، فعليك بهما.
فشعر عمر أن الدماء تغلي في قلبه، ونسي كل شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب مسرعاً إلى بيت أخته، وذهب نعيم مسرعاً إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه.
في هذا الوقت كان خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه يجلس مع سعيد بن زيد وزوجته في بيتهما يعلمهما القرآن؛ فالرسول كان يقسم الصحابة إلى مجموعات، كل مجموعة تقوم بمدارسة القرآن مع بعضها، ثم يجتمعون كلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم.
وكان خباب بن الأرت هو المعلم لـ سعيد وزوجته.
وصل عمر إلى بيت أخته ووضع أذنه على الباب فسمع صوتهم وهم يقرءون القرآن، فظل يضرب الباب بكل قوته، ولو كان يستطيع كسره لكسره، وهو ينادي بعنف: افتحوا الباب افتحوا الباب.
وإذا كان عمر مرعباً في هدوئه فما بالك في غضبه، أما خباب فاختبأ في غرفة داخلية، وقال في نفسه: لئن نجا سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب فلن أنجو أنا، وخباب من الموالي ديته بسيطة، وعمر لن يفكر كثيراً قبل أن يقتله.
بعد اختباء خباب أصبح الدور على سعيد وفاطمة.
قام سعيد رضي الله عنه وفتح الباب، فدخل عمر إلى البيت وهو يحترق من الغضب، قال عمر: لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، ثم بدأ يضرب سعيداً فقامت فاطمة بنت الخطاب ووقفت بينه وبين سعيد تدافع عن زوجها، فالتفت إليها عمر وترك سعيد بن زيد وبدأ يضربها حتى سالت الدماء على وجه فاطمة رضي الله عنه، لما رأى سعيد هذا الأمر لم يجد بداً من الهجوم على الأمر، وقال له في تحدٍ شديد: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك! استغرب عمر من شجاعة سعيد؛ فلا يوجد في مكة من يكلمه بهذه الطريقة، وأعجب من هذا أن فاطمة المرأة الضعيفة البسيطة وقفت وأمسكت بوجه عمر، وقالت له في قوة: وقد كان ذلك على رغم أنفك يا عمر)، ذهل عمر.
من هذا الذي يتحدث؟ أليست هذه أخته؟ ما الذي جرأها عليه؟! أحس عمر على بأسه وشدته وسطوته أنه صغير لا يستطيع أن يقف أمامها، وشعر أن الدنيا تغيرت وهو لا يعلم، أول مرة يتعرض لمثل هذا الموقف في حياته، ثم قال عمر كلمة تدل على رقة قلبه التي تختفي وراء هذه الغلظة الظاهرة، قال: فاستحييت حين رأيت الدماء.
الرجل الذي ليس فيه خير لا يستحي من رؤية دماء تسيل على وجه امرأة خرجت عن دينه،