وظهر موقع الاستدراك في قوله تعالى: {وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42].
والتقدير ولكن لم تتواعدوا وجئتم على غير اتعاد ليقضى الله – ليحقق وينجز – ما أراده من نصركم على المشركين، ولما كان تعليل الاستدراك قد وقع بفعل مسند إلى الله كان مفيداً أن مجيئهم إلى العدوتين على غير تواعد منهم كان عناية بالمسلمين من الله تعالى.
ومعنى {أَمْرًا}، هنا الشيء العظيم المهم و {كَانَ}، تدل على تحقق ثبوت معنى خبرها لاسمها من الماضى مثل قوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
فالاستحقاق لهذا الحق ثابت علينا من الأزل، ولذا فمعنى: {كَانَ مَفْعُولًا}، أنه ثبت له في علم الله السابق أنه يفعل، فاشتق له صيغة مفعول من فَعَل للتدليل على أنه حين قدرت مفعوليته في الأزل صار كأنه فُعِل.
ويكون حاصل المعنى: لينجز الله ويوقع حدثاً عظيماً متصفاً منذ القدم بأنه محقق الوقوع حقيقاً بأن يفعل حتى كأنه قد فُعِل؛ لإنه لا يمنعه ما يحف به من الموانع المعتادة.
لا شك أن تلك الآيات في درسها اللغوى والنحوى والبلاغى تشير إلى هذه المعانى المهمة التى هي محل توضيح القرآن الكريم لسرد السيرة قصصاً وفقهاً ومعنى وأحكاماً عبراً وعظات وتأسيساً لواقع، وتثبيتاً لإيمان، وسعياً لنصر إلى آخره، ويظهر ذلك في:
عناية الله الأزلية بالمؤمنين فيما يختاره لهم.
ترتيب الله لهم، وحملهم على هذا الترتيب، وإفشاء تدبير الكافرين وكيدهم.
تبيين الأدلة وتعليل الأحوال والأحكام لهم، ليظهر لهم وجه المصلحة فيما أراد بهم،