القرآن الكريم إلا للعبرة والعظة للسامعين والمؤمنين، ومن ثم كان الغرض من ذلك شكر نعمة الله على ما وفقهم إليه وصرفهم له، وعلى نصرهم بخلاف ظنهم، ليحسن ظنُهم بالله تعالى والاعتماد عليه في أمورهم، فإن تكامل وصفهم بكل تلك الأحوال من أول السورة وبداية سرد القصة ليبرهن وهم موقنون بذلك، أنهم في أصعب حالة وعدد ومكان وعدة ولم يكن لهم شيء يوازن المشركين فضلاً عن أن يتفوقوا فيه عليهم، فكان من عجيب عناية الله تعالى أن قلب تلك الحالة رأساً على عقب، وألقى الله في قلوب المشركين تهوين أمر المسلمين فلم يأخذوا حذرهم – وهم على حق في ظاهر الأمر – لأى شيء يأخذون حذرهم، وجعلوا مقامهم في بدر مقام لهو وطرب. فنصر الله المسلمين، من حيث لا يتوقع المسلمون ولا المشركون ولا أي أحد كان، ومن ثم فالذين خوطبوا بقوله: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ......}، الآية هم أعلم السامعين بفائدة ذلك ولولاه لكان هذا التقييد بالوقت قليل الجدوى. (?)
وجملة {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ}، في موضع الحال من الجمعان، وعاملالحال فعل {الْتَقَى}، أي يوم التقى الجمعان في حال لقاء على غير ميعاد، قد جاء ألزم مما لو كان على ميعاد فإن اللقاء الذى يكون موعوداً قد يتأخر فيه أحد المتواعدين عن وقته (?)، وهذا اللقاء قد جاء في إبان متحد وفي مكان متقابل ومعنى الاختلاف في الميعاد: اختلاف وقته بأن يتأخر أحد الفريقين عن الوقت المحدود فلم يأتوا على سواء وللعلامة الطاهر بن عاشور رأى في التلازم بين شرط {وَلَوْ}، وجوابها هنا حيث هو خفى وأشكل على المفسرين