النعاس ونزول الملائكة مع إنزال المطر وإجراء تصاريف ليست في وقتها تخص هذه الفئة المؤمنة.
وإذ قد صحوا من هذا النعاس بهذا المدد الروحى، جاءتهم أمداد أخرى تحيط بهم من الأمداد المادية هي قصة الماء: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} إلى قوله: {وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: 11]، فتم المدد الروحى بالمدد المادى لتسكن القلوب في هذه الصحراء بوجود الماء، وتطمئن الأرواح بالطهارة وتثبت الأقدام بثبات الأرض وتماسك الرمال.
ونعود لتحليل الآية الكريمة:
يقول الطاهر بن عاشور في «التحرير والتنوير»: لقد أبدع نظم الآيات في التنقل من قصة إلى أخرى من دلائل عناية الله تعالى برسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالمؤمنين، فقرنها في قَرَن زمانها، وجعل ينتقل من إحداها إلى الأخرى بواسطة إذ الزمانية.
وهذا من أبدع التخلص، وهو من مبتكرات القرآن فيما أحسب. (?)
إذ يغشيكم النعاس يجعله غاشياً عليكم ومحيطاً بكم، إذ الغشى كون الشيء غاشيا أي غاماً ومغطياً وهو بدل من: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ}، على القول بجواز تعدد البدل، أو مفعولاً فيه لقوله: {وَمَا النَّصْرُ}، فإن إغشاءهم النعاس كان من أسباب النصر، فلا جرم أن يكون وقت حصوله، والنعاس النوم غير الثقيل يزيل التعب ولا يغيب صاحبه، وإسناد الإغشاء إلى الله تعالى؛ لأنه الذى قدر أن يناموا في وقت لا ينام في مثله الخائف، فهو نوم منحهم الله إياه لفائدتهم، وإما إسناد الغشى إلى النعاس حقيقة على المتعارف، وقد علمنا أنه من تقدير الله تعالى بقوله: {أَمَنَةً مِنْهُ}، أي أماناً منه، فإن الخوف والمشقة أطارا كراهم من أوكاره، فلما طامن الله قلوبهم رفرف بجناحه عليهم فنعسوا، وجاء الغَشْى بصيغة المضارع لاستحضار