وإن قلة عدد أفراد تلك السرايا والغزوات لينبيء بتوفير العدد الأكبر للقيام بتلك المهمات وتوسيع قاعدة الدين بزيادة رقعة الإسلام وتعميق أثره في النفوس، وزيادة المنضمين إليه، وذلك بنشر الهدى من العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله تعالى، كل ذلك طاعة لله تعالى، وانتظار مذخور ثوابه، وتأهباً لكل طارئ، وتربصاً بكل هاجم، وتجهيز القوة لتأديب المجرمين يوم يتطاولون.

وقد ذكرنا ما سبق لنرد على المستشرقين القائلين بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينما صار رئيساً سياسياً في المدينة تغير عما كان عليه في مكة بحيث صار الطابع السياسي يزداد بروزاً، والطابع الديني يزداد تراجعاً. (?)

وتكملة لما سقنا من ردود، فلابد من القول إن أحكام الدين في تفضيلاتها، والطابع الديني للدعوة ما اكتمل وطهر سواء بنزول أحكام الشريعة، والدعوة إليها والتمسك بها، وتعلمها وتعليمها إلا في المدينة، إن الواجبات والسنن الشرعية والعلاقات الإيمانية والإنسانية والسلوكية التى ميزت المسلمين، كل ذلك كان في المدينة، فالواقع يخالف كلام فلهاوزن (?)، وغيره من المستشرقين ببروز كل ما يتعلق بدين الإسلام في المدينة، إذ كان المسلمون في مكة لم تتنزل عليهم تلك الأحكام، فضلاً عن اضطهادهم، وتخفيهم بدينهم.

وما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليتبعه في بدر أولئك المقاتلون في سبيل الله، مع بقاء غيرهم وأكثر منهم في المدينة لو كانوا يعلمون أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيواجه حرباً ما تخلف منهم رجل واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015