اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال: 75].
وقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6]. ومن ثَمَّ أُلْغِىَ ذلك بعد بدر أو بعد الأحزاب أو أحد (?).
وقد ذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - أن ما ألغاه الإسلام من نظام المؤاخاة هو الإرث فقط، أما النصر والرفادة والنصيحة، وأن يوصى لبعض المتآخين بشئ من الميراث فكل ذلك باق (?)؛ بدليل مؤاخاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين سلمان الفارسى وأبى الدرداء وغيرهما - رضي الله عنهم -، وسلمان إنما أسلم بعد أحد وقبل الخندق.
وأما حكمة نسخ التوارث - علاوة على ما ذكرنا - أن الروح الإسلامية غدت العصب الطبيعي للمجتمع الإسلامي، في ظل الأخوة الإسلامية العامة، وما يترتب عليها من مسؤليات مختلفة، فلا يخشى على هذا النظام من التقصير أو التمييع أو التفكك، فلا غرو ولا ضرر في أن تعود قرابة الرحم كما كانت؛ وإن أصبح ذلك أثراً بعد عين، فقد ذهبت هذه القضية مع ما ذهب من كثير من أخلاق، ومحاسن، وآداب الإسلام، التي كانت السبب في ثباته وبقائه، وكانت سر حيويته وقوته، وانتشاره وعدالته، وسر علو المسلمين وحضارتهم.
مما سبق، يتضح لنا أن وحدة الأمة، وتساندها، لا يمكن أن يتم، إلا بعامل التآخى والمحبة، فتنهض حينئذ هذه الأمة، وتأخذ في أسباب الرقى والتقدم، لأن أي أمة لايجمعها هذا العامل لايمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة فلايمكن أن تتألف منها دولة.