المبحث الأول
بناء المسجد
كانت إقامة المجتمع الإسلامي المتماسك، الذي تقوم عليه دولة الإسلام، أول ما قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببناء دعائمه، وتشييد أساساته، حتى صارت أعظم دولة عرفها التاريخ، - وإن الاهتمام بقيام تلك الأركان والأصول، كفيلٌ بإعادة تلك الدولة، دولة الحق، والعدل، والهداية، إلى العالمين، تنير الدنيا، وتطلب الآخرة -. وكانت أول خطوة، قام بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في سبيل ذلك، هي بناء المسجد، بؤرة الإشعاع الديني، والسياسي، والثقافي، والاجتماعي، في المجتمع المسلم، لأنه إنما يكتسب صفة الرسوخ، والتماسك، بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وما ينبع ذلك كله إلا من روح المسجد ووحيه.
كان رجال من المسلمين، يُصَلُّونَ في المكان الذي بركت فيه ناقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، - وكان مربداً للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار، في حجر أسعد بن زرارة، هما سهيل وسهل -، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ»، ثم دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يارسول الله «فأبى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقبله منهما هبة، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا (?)، وفي رواية أخرى للبخاري (?)، أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما أمر ببناء المسجد أرسل إلى ملأ بنى النجار، فجاؤوه، فقال لهم: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي