ولا يحسب القارىء أن هذا التعذيب قد اقتصر على ما ذكر، وأن كل أحد أخذ قسطه وانتهى الأمر، ورجع إلى حياته ودعوته، كلا ولكن التعذيب بقى ما بقيت الدعوة في مكة، بل كان يزداد ويتنوع على نفس الأشخاص وعلى غيرهم كلما دعوا أفراداً جدداً إلى الإسلام، وكلما رأى المشركون ازدياد عدد المسلمين، حتى آل الحال بهم إلى ترك مكة والهجرة إلى الحبشة، أو التخفى أو الدخول في جوار الكفرة.

تعذيب الموالى:

لقد نال الموالى القسط الأقسى والأفظع من التعذيب علانية على رؤوس الأشهاد، حيث صب المشركون جام حقدهم كله على هؤلاء الضعفاء لعدم المنعة التى تمنعهم، أو القوة التى يقاومون بها.

وقد وصل الحال بهم في التعذيب أن عذرهم الله تعالى بالنطق بكلمة الكفر يخففون بها عن أنفسهم سوء العذاب النازل عليهم.

قال سعيد بن جبير لابن عباس: «أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: «نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجوعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوى جالساً من شدة الضرب الذى نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده.» (?)

وقد ذكرنا حديث ابن مسعود أن أول من أظهر الإسلام سبعة إلى قوله فأما الباقون فالبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس وتكملته، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا، إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015