أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 10 - 15].
فلما دعا ربه لهم آملاً في توبتهم عادوا إلى كفرهم ونسوا ما أخذوا على أنفسهم من الإيمان مما حكاه القرآن الكريم عنهم قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)}. (?)
ونلاحظ أن دعاءه عليهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بسبب أذاهم له، وإنما بسبب الإمعان في التكذيب والوقوف في وجه إيمان غيرهم فطالما احتمل أذاهم، ولم يَدعُ عليهم، بل دعا لهم بالهداية بما يدل على أعلى مثل في الصبر، والاحتمال وإن أوذى في ماله ونفسه وأهله. (?)
وهو الذى تدل عليه سيرته من أنه لما قال له جبريل هذا ملك الجبال لو أردت أن يطبق عليهم الاخشبين لفعل، فأبى لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله ولئن كان ذلك في مكة فلقد كان في المدينة مثالاً أعلى لذلك أيضاً ففى غزوة أحد وقد شج وجهه الكريم وكسرت رباعيته، وهو يقول والدم يسيل على وجهه اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، وما كان ليفسر دعاؤه في الحالة السابقة، إلا بقوله هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللهم أعنى عليهم يعنى أن دعاءه عليهم كان من باب التدليل على قوة الله ونصره، وأنه نبيه وأنه صاحب رسالة منه فكان تصديق الله له بإنزال شيء من العقوبة بهم سبيلاً لتخويفهم حتى يؤمنوا وفعلاً قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)}، فكان ذلك كالعون من الله له على دخولهم في الإسلام برؤيتهم مصداق دعائه.
ونستكمل تلك الصورة الأليمة فيما لاقاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ابن حجر فيما صح عن أنس - رضي الله عنه - قال: «لقد ضربوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة حتى غشى عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادى: ويلكم