على صدق النبوة، وبرهانًا ساطعًا على الرسالة، لأن ما رموه بسببه من الجنون هو ذاته ما أقسم به دليلاً لصدقه، وحجة لمدَّعاه. إنَّ الأدلة المقطوعة على هذا النحو لهي إعجاز في نفسها وتعجيز للخصم بحيث لا يستطيع ردًا ولا دحضًا.
ونأتي إلى جواب القسم لنحلل آياته، ولنرى فيه قيمة المقسم عليه، وما فيه من إثبات الكمالات للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونفي النقص عنه، وذلك في الدنيا، مع عظيم الأجر والثواب في الآخرة.
والمقسم عليه ثلاثة كما ذكرنا آنفاً:
أولها: نفي الجنون عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والمقصود من نفي الجنون إثبات النبوة للنبي - عليه الصلاة والسلام - لأنَّ المشركين قصدوا بإلحاق الجنون به وإثباته له نفي النبوة عنه، فلما أقسم المولى سبحانه على نفي الجنون فذلك إنما كان لإثبات ما قصد المشركون نفيه، فثبتت له النبوة.
وكان ذلك تسليةً أيضًا من الله تعالى للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لئلا يحزنه هذا القول، وتسرية عنه لما لاقاه من أذى بحمله دعوة الحق، إذ كان يظن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه بدعوتهم إلى هذا الخير سيسرعون لتصديقه، وتأييده، والإيمان به، خاصة وأنه غير متهم عندهم، بل هو الصادق الأمين لديهم من قبل ومن بعد.
وأما رميهم له بالجنون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهو ما ذكره القرآن الكريم عنهم في نفس السورة حيث شافهوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به فيقول القرآن الكريم: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)} [القلم: 51]. وقد أكدوا قولهم هذا بحرف {وَإِنْ} ولام الابتداء {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)} فأُجيب على قولهم بمؤكدات أقوى مما في كلامهم إذ أقسم عليه أولاً، وجيء بالباء التي تزاد بعد النفي لتأكيده ثانيًا، وثالثًا بالجملة الاسمية منفية لدلالة الجملة