- والنبوة لها إرهاصات تسبقها تؤكد صدقها، يدلل عليها الواقع، والحوادث التاريخية، وسير الأنبياء، باستقراء ذلك كله، واطراده فيما جاء التاريخ به من وقائع صحت نسبتها إلى أولئك الذين ادعوا صلتهم بالسماء، وارتباطهم بالوحي، وإن ذلك من إرهاصاتها التي رأى المشركون غيرها في الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كالغمامة التي رأوها تظلله وخبر بحيرى الراهب (?) وغير ذلك، مما جعل يَقِر في وجدانهم مثل هذه الأمور الخارقة للعادة التي حدثت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتي ذكرنا أنها من عناية الله تعالى قبل البعثة بمن سيكون رسوله إلى العالمين.

ويمكن أن نصل بافتراضنا إلى أبعد من ذلك، وهو أن الشرح وَقِفَ علمه على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن هذا ثناء بينه سبحانه وبين عبده لم يطلع عليه أحد، ليكن ذلك، ولكن يأتي السؤال ألم يواجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك الناس جميعًا مخبرًا بهذا الخبر في جملة ما أنبأهم به، وكان داخلاً هذا الشرح في جملة ما تحدى به البشر إلى يومنا، وإلى قيام الساعة؟ لم ينكر ذلك معاصروه، ولا قاموا في وجهه جاحدين له، معترضين عليه، بين مكذب راد عليه ومصفق مستهزئِ به، بل سلموا ذلك الأمر يوم كانوا كفرة محاربين، وآمنوا وازدادوا تسليمًا بعد ذلك.

لقد أطلت شيئًا ما في هذا الموضوع؛ للنظر الموضوعي المجرد لقضية النبوة، إذ كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015