فجاء الأمر على هذا النحو فزاد السياق هنا بزيادة هذه الألفاظ معان أخرى تشير إلى ما ذكرنا منها كونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مأمورًا بأن يكون أول من أسلم في كل أموره في توحيده في عبادته في إخلاصه، في أعماله الباطنة، وفي أعماله الظاهرة، وهذا ما بينته سورة الأنعام شاملاً قبل ذلك في أواخر آياتها بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]، وهذا واضح تمام الوضوح في البرهنة على عصمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا من كان أول من أسلم، وكانت صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله، حتى مماته فمتى يكون للشيطان وأنى يكون له عليه أدنى سبيل أو سلطان، فمتى يعصى ربه؟!
ذكر الفخر الرازي، وهو بصدد تفسير هذه الآيات معنى شبيهًا فقال: «في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)} التنبيه على كونه رسولاً من عند الله واجب الطاعة، لأن أول المسلمين في شرائع الله لا يمكن أن يكون إلا رسول الله، لأن أول من يعرف تلك الشرائع والتكاليف هو الرسول المبلغ.» (?)
ثالثًا: ذهب جمع من المفسرين بأن الأمر بعبادة الله تعالى مخلصًا فيها؛ إنما هو علة ليكون أول المسلمين، فمتعلق {أُمِرْتُ} محذوف لدلالة قوله: {أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)}، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد بالغ أشد المبالغة في العبادة من قبل نزول هذه الآيات عليه - كما في سورة طه - وهي متقدمة على كل هذه السور التي فيها الأمر بأن يكون أول المسلمين (?) حتى واساه ربه بقوله: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)} [طه: 2] كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد علمنا من سورة المزمل والمدثر اجتهاد النبي عبادة ودعوة من أول يوم بعثه