والتوجيه، وهي التفاتة تدلُّ على عبقرية أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -.
روى البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كُراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع - أي السنة المجدبة - وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها.
فقال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستفييء سهماننا فيه".
وقد تكرر ذلك من عمر - رضي الله عنه -، فقد قسَّم مروطا (أكسية من صوف أو خز) بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيِّد، فقال بعض من حضر: يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريدون أم كلثوم بنت علي - رضي الله عنه - وكانت زوجة لعمر بن الخطاب.
فقال عمر: أم سُليط أحق به، فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحمل للناس القرب يوم أحد (?).
وهكذا فإن تكريم الأبطال الذين يقدمون خدمات عظيمة للمجتمع انسحب على أبنائهم، وبذلك يعرف الناس جميعاً أن تضحياتهم لا تضيع في الدنيا ولا في الآخرة {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.