فأكد لهم بدعائه افتقاره لربه ولجوءه إليه وحده، فقال: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل"، وحكى لهم قصة نبي أعجبته كثرة أمته فسلط الله عليهم الموت (?). وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يراقب المسلمين ويقِّوم ما يظهر من انحرافات في التصور أو السلوك حتى في أخطر ظروف المواجهة مع خصومه العتاة. لأن النصر معلق بشرط {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ولكن هل تتم تربية الجموع وإزالة رواسب الجاهلية التي عاشوا فيها أعمارهم بين عشية وضحاها، لقد كان الشعور بالزهو لكثرتهم سبباً لإدبارهم في أول المواجهة، وكان إدبارهم وهول اللقاء قد أعادهم إلى التصور الصحيح والتوكل الخالص فكانت الجولة الثانية خالصة لهم من دون الكفارين.
ومن الآثار السلبية لوجود الطلقاء وبعض الأعراب في جيش المسلمين، أن معظمهم خرجوا للحصوص على الغنائم والنظر لمن تكون الغلبة، فلم يشعروا أنهم يدافعون عن قضية ومبدأ، إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام ولم يتذوقوا طعم الإيمان ولا حب الجهاد في سبيل الله وكان منهم المقيم على الكفر (?) -ومنهم بالطبع من كان حسن الإسلام- فلا غرابة أن ينهالوا على الغنائم، في بدء المعركة وينشغلوا بها ويشغلوا سواهم من الجند معهم، ولم يكن مصير المعركة يهم بعضهم كثيراً، فقد عبر أحدهم عن فرحته بإدبار المسلمين في الجولة الأولى، فقال كلدة بن أمية - أخو صفوان بن أمية الجمحي-: ألا بطل السحر اليوم!! فقال له صفوان -وكان مشركاً آنذاك- اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يَرُبَّني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يَرُبَّني رجل من هوازن (?)!!