وشرع المسلمون بحفر الخندق، وكان يمتد من أم الشيخين طرف بني حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً (?)، وكان طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً (?). وقد تولى المهاجرين الحفر من ناحية حصن راتج في الشرق إلى حصن ذباب، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب (?).
وقد تم الحرف بسرعة رغم الجو البارد والمجاعة التي أصابت المدينة في ذلك الوقت (?). فكان طعام الجيش قليلاً من الشعير يخلط بدهن سنخ (متغير الرائحة لقدمه) ويطبخ فيأكلونه رغم طعمه الكريه ورائحته المنتنة لفرط الجوع (?).
وأحياناً لا يجدون سوى التمر (?)، وقد يلبثون ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً (?).
ولكن حرارة الإيمان طغت على آثار البرد والجوع القارصين، فكان المسلمون يعملون بقوة ويحملون التراب على أكتافهم، وفيهم من كان لا يخدم نفسه من التجار والزعماء، وقد استووا جميعاً في الحفر وحمل الأتربة وهم في غاية الحماس يرددون الأهازيج، والرسول صلى الله عليه وسلم يحفر معهم وينقل التراب حتى اغبرَّ بطنه ووارى التراب جلده، وقد شدَّ على بطنه حجراَّ لفرط الجوع (?)، وكان الصحابة يلجأون إليه إذا عرضت لهم الصخرة الكبيرة فيأخذ المعول ويفتت الصخرة (?).