ومعظم استنتاجات التاريخ القديم ترتكز على علم الآثار والحفريات، وهي تعطي معلومات مشتتة لا تكفي لتغطية الفجوات الكبيرة في التاريخ البشري القديم، وإذا كان المؤرخ غير المسلم لا يستطيع التصور إلا من خلال الآثار المادية التي تزوده بالمعلومات ... فإن المؤرخ المسلم يستند إلى القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكتاب الإلهي الوحيد الذي لم ينله التحريف والتبديل وهي نعمة عظيمة أنعمها الله تعالى على المسلمين بحفظ كتابه يتلونه كما أنزل في كل عصر، مطمئنة نفوسهم إلى أنه "كلام الله" مما له أعمق الأثر في نفوسهم وعقولهم وسلوكهم وشخصيتهم وطبيعة مجتمعهم وحضارتهم، وهو أمر لم يتحقق لأمة أخرى غير الأمة الإسلامية.
2 - تفسير دوافع السلوك عند المسلمين في صدر الإسلام: إن دوافع السلوك في المجتمع الإسلامي الذي تهيمن عليه العقيدة تتأثر كثيراً بالتطلع إلى ما عند الله ... إلى الجزاء الأخروى، وصفوة المؤمنين لا يشركون دوافع أخرى في سلوكهم، إذ لا بد من إخلاصهم النية لله تعالى في كل أعمال المسلم سواء كانت جهاداً بالنفس أو نشاطاً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياساً، فنشاط المسلم في كل مجالات الحياة يدور حول محور - إرضاء الله تعالى - ويعرف المسلم أنه إذا أشرك في نيته فإنه يحبط عمله كما في الحديث الشريف "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له وابتغي به وجهه" وإذا كان هذا التصور يتحكم في الكثير من المسلمين الواعين اليوم فكيف كان أثر ذلك في جيل الصحابة والتابعين والأتباع - وهم خير القرون - إذاً؟.
إن معرفة أثر الإسلام في تربية أتباعه في صدر الإسلام وتزكية أرواحهم وتثقيف عقولهم وإخلاص عقيدتهم وتوجههم إلى الله وحده بالعبادة والمجاهدة يجعل من البدهي التسليم بأن الدافع لهم في مشاركتهم في الفتوح ونشر الإسلام والتمكين له وتنظيم المناطق المفتوحة والاجتهاد في حل المشاكل والأقضية المستجدة وفق تعاليم الإسلام، لم يكن دافعاً دنيوياً ولا رغبة في التسلط