الجهاد مصطلح شرعي يراد به القتال في سبيل الله لإقامة نظام عادل يلتزم بأحكام الشريعة ويسعى لتحقيق أهداف الإسلام في المعمورة .. ولم يشرع الجهاد في الإسلام في العهد المكي، بل أمر المسلمون بألا يواجهوا المشركين بالقوة وألا يحملوا السلاح في وجوههم، فكان الشعار المعلن آنذاك {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (?) وهو الموقف الذي اتخذ عندما كانت الدعوة جديدة مثل النبتة الصغيرة تحتاج إلى الماء والغذاء لترسخ جذورها وتقوي على مواجهة العواصف، فلو واجهت الدعوة آنذاك المشركين بالسيف، فإنهم يجتثونها ويقضون عليها من أول الأمر، فكانت الحكمة تقتضي أن يصبر المسلمون على أذى المشركين، وأن يتجهوا إلى تقويم أنفسهم وزيادة إيمانهم بدعوتهم عن طريق العبادة ومجاهدة النفس ودعوة الآخرين لتكثير سواد المسلمين. ولم يكن المسلمون متميزين عن المشركين في معيشتهم اليومية، وليس لهم معسكر ينحازون إليه عند إسلامهم، وإن كانوا يجتمعون بينهم في دار الأرقم وغيره لتلقي تعاليم الإسلام. ولو كان الجهاد قد فرض في تلك الفترة لجرت معركة في كل بيت أسلم منه أحد. فلما هاجر المسلمون إلى المدينة وآزر الأنصار دعوة الإسلام وصارت للمسلمين أرض يمتلكون السيادة عليها شرع الله تعالى الجهاد، وكان الإذن بالقتال دفاعا عن النفس أولى المراحل وذلك في الآية الكريمة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (?). ثم أمر المسلمون بالقتال دفاعا عن النفس والعقيدة في الآية الكريمة {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (?) وكانت هذه هي المرحلة الثانية في تشريع الجهاد.