بدرجة لا تقل عن الضرورات من وسائل المعيشة التي تسعى تكنولوجيا العصر إلى تهيئتها للإنسان، إذ إنما يمتاز الإنسان بروحه وعقله وهما ينموان بالمعاني التي تغذيهما كما يغذي الطعام الجسد وإلا فإن إنسان الغد سيتحول إلى جسد بلا روح.
إن التخلف في مستوى النتاج الفكري الإسلامي لن يؤدي إلا إلى رضاع الأجيال من لبان العقول الغربية التي تشبعت عبر قرون طويلة بجفاف المادية القاتلة والبُعد عن الله تعالى والتمرد على القيم الروحية والانقياد للفكر الوضعي الحائر. وإن ما صارت إليه المجتمعات الغربية المعاصرة من أخطار اجتماعية وخلقية هو نتاج الشجرة المسمومة التي غذتها الأفكار العلمانية فلا بد أن يسعى مفكرونا لتجنيب أجيالنا أن تمر في نفس الأطوار الاجتماعية التي مرت بها أوروبا .. وخير سلاح أن ترضع الأجيال المعاصرة من لبان الإسلام وفكره فهو خير سبيل للوقاية من أخطار المادية القاتلة.
وأملي كبير في نقد هذه التجربة وتقويمها من قبل العلماء المدققين والباحثين المعنيين بدراسات السيرة والتاريخ الإسلامي للإفادة من آرائهم في هذا الشأن إذ ما زلنا في أول الطريق نحو تطبيق منهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية في القرون الأولى، وهو أمر عسير يحتاج إلى استيعاب دقيق لمصطلح الحديث، ومرونة في التعامل وفقه مع الرواية التاريخية.
لقد سبق أن نشرت المقدمة والبابين الأول والثاني من (السيرة الصحيحة) بعنوان (المجتمع المدني) ولكنني في هذه الطبعة الجامعة نقحت ما سبق نشره وضممت إليه فوائد جديدة.
والله أسأل أن يتقبل عملي ويجعله من حسناتي في حياتي وصدقاتي بعد مماتي إنه خير مأمول وأعظم مسئول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور أكرم ضياء العمري
المدينة المنورة.