وقد خرج الاثنان إلى جبل ثور حيث أويا إلى غار فيه، وتعقبهم المشركون إلى المكان حتى بدت أقدامهم خارج الغار فقال الصديق رضي الله عنه: لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، متفق عليه (?) لكن الله تعالى صرف المشركين عنهم فلم يفطنوا لهما، وخرج الإثنان بعد ثلاثة أيام في طريقهما إلى المدينة (?) يقطعان الصحراء ورسول الله قد بلغ الثالثة والخمسين وأبو بكر بلغ الحادية والخمسين، لكن القلوب الموصولة بالله تعالى لا يعيقها شيء عن بلوغ القصد وتحقيق أهداف الرسالة، ورسالة الإسلام جاءت تنظم أمور العبادات والمعاملات فهي دستور للحياة لابد لتطبيقه من أرض وأمة تقام فيها أحكام الله تعالى التي اكتمل تشريعها فيما نزل في المدينة المنورة من قرآن وما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمله أو أمر به من سنة ...
وهي تعطي صورة لأمثل دولة - ضمت أمثل مجتمع - ظهرت في تاريخ البشر وهي النموذج الذي ينبغي على المسلمين في كل زمان ومكان أن يحتذوه ليكفلوا لأنفسهم سعادة الدارين ويبتعدوا عن الشقاء والحياة الضنك والضياع وسط ركام الجاهلية الذي يزحف عليهم من كل مكان ولا منجي لهم إلا بالعودة إلى الله تعال والاقتداء بهدي رسوله.
وقد تأخرت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى هاجر معظم القادرين على الهجرة من أصحابه الذين استجابوا للأمر بالهجرة، واستمر الحث على الهجرة وبيان فضل المهاجرين بنزول الآيات القرآنية واستمر معها تدفق المسلمين الجدد من كل مكان، فقد كانت الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة المنورة بحاجة إلى المهاجرين من المؤمنين ليتوطد سلطان الإسلام فيها إذ يغالبه اليهود والمشركون والمنافقون، وتحيط به قوى الأعراب المشركين من حول المدينة، ويترصده كفار قريش الذين اقضّت الهجرة مضاجعهم فمضوا يخططون للإجهاز على كيان