إن هذه الدراسة التي أقدم لها لا تمثل طموحي، ولكنها محاولة للإفادة من منهج المحدثين في نقد الرواية التاريخية، ويظهر بها التركيز على نقد الأسانيد والرواة إلى جانب نقد المتن، وخاصة في عملية الانتقاء من مجموع الروايات الضخمة التي دونها القدامى في السيرة. إذ أن الاعتماد على الروايات التي صححها النقاد القدامى أحياناً، أو الإفادة من منهجهم في تصحيح أو تضعيف ما لم يحكموا عليه من الروايات، هو أهم ما تهدف إليه هذه الدراسة، لينال البحث ثقة القارئ، وليعطي أصدق صورة عن السيرة.

وقد تبرز معان خلقية ودينية مؤثرة في الروايات التي أهملتها، لكنني لم أكترث لذلك ما دامت ضعيفة الثبوت، وقد ظهر جلياً أن الاعتماد على صحيح الروايات وحسنها يكفل توضيح الأبعاد التاريخية للسيرة النبوية دون حاجة إلى الضعيف من الروايات.

ويلاحظ القارئ أن الروايات الضعيفة من الناحية الحديثية لم تستبعد نهائياً بل تمت الإفادة منها في الموضوعات التي لا تتعلق بالعقيدة أو الشريعة، حيثما لم نجد روايات صحيحة وفق معايير المحدثين، حيث يمكن التعامل معها وفق معايير منهج النقد التاريخي.

ويلاحظ الاهتمام في الدراسة بنقل الخبر عن شاهد عيان مشارك بالحادثة، وهو منهج معتبر في الدراسات التاريخية المعاصرة، كما أنه معتبر في الدراسات الحديثية في القرون الهجرية الأولى، ونلحظ أن الإمام البخاري في صحيحه كثيراً ما يختار الرواية من طريق الصحابي المشارك بالحادثة، كما فعل في نقل قصة الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وسبب نزول سورة المنافقين عن زيد ابن الأرقم، وسبب نزول سورة الجمعة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وقصة نزول سورة التحريم عن عائشة، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة (?). فشاهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015