الأزقة وأراقوها وقالوا: "انتهينا ربنا انتهينا ربنا" وشرب الخمر الذي أقلعوا عنه كان عادة متأصلة في حياة الفرد والمجتمع، والخمر الذي أراقوه كان مالاً ضحوا به تسليماً لله رب العالمين.
ولم يكن العربي ليخضع لدولة وإنما كانت الوحدة السياسية والاجتماعي هي القبيلة وكانت الدويلات التي نشأت في أنحاء من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بوقت طويل قد اندثرت وطغت البداوة والقبلية بما فيها من عصبية وتنازع وصراع وتفكك في سائر شبه الجزيرة، فلما جاء الإسلام أرسى مفهوم الدولة وربط سائر القبائل والأفراد بها، فقامت دولة المدينة المنورة على أساس فكري بحت وتوسعت لتوحيد شبه الجزيرة العربية لأول مرة في تاريخها تحت راية الإسلام، فكانت هذه نقلة في تاريخ شبه الجزيرة العربية السياسي.
وهكذا فإن الإسلام أحدث تغييراً جذرياً في حياة الفرد والمجتمع في المدينة المنورة لما تميز به من عمق وشمول وقدرة على التأثير حتى صبغ الحياة بكل جوانبها بصبغته {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} (?).
وسوف نتلمس آثار هذا التغيير الشامل في المباحث التالية:
قدم المهاجرون إلى المدينة المنورة - كما أطلق على يثرب في الإسلام - وكانوا في البدء من عشائر مختلفة من قريش، ثم استمرت الهجرة وصار حقاً على المسلمين الجدد في أرجاء الجزيرة أن يهاجروا إليها وظل الأمر كذلك حتى أوقفت الهجرة رسمياً بعد فتح مكة عام ثمان للهجرة.
والهجرة حدث عظيم استحق أن يكون بداية العام الهجري الجديد عند المسلمين منذ أن وضع الخليفة عمر بن الخطاب التقويم الهجري.
فالهجرة كانت دليلاً على الإخلاص والتفاني في سبيل العقيدة، فقد فارق المهاجرون وطنهم ومالهم وأهليهم ومعارفهم استجابة لنداء الله ورسوله. ولما