والحبشة نصرانية، وملكها عرف بالعدل، وهي قريبة من مكة، وكل ذلك يشكل خطرا على قريش في المستقبل.
ومما يبعث على العجب والإكبار لموقف المهاجرين بيانهم لعقيدتهم في عيسى عليه السلام بصراحة ووضوح، رغم مخالفتها للنصرانية السائدة في الحبشة. فلم يلجأوا إلى مجاملة الأساقفة الحاضرين خوفاً من تسليمهم لقريش. فأحسن الله عاقبتهم وآمنهم في دار هجرتهم (?).ولكن لا يخفى أن هجرة الوطن تصعب على المرء، وهو لا يفعل ذلك إلا مضطراً، وقد كان المسلمون المهاجرون عرباً يعيشون في سوط غريب لا تربطهم به وشائج رحم ولا لغة، فضلاً عن كونه وسطاً نصرانياً يخالفهم في المعتقد إلا النجاشي فإنه أسلم وورَّى بإسلامه أمام قومه (?). وهذا يتضح من مجادلة أسماء بنت عميس - إحدى المهاجرات إلى الحبشة قدمت مع جعفر إلى المدينة - مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد قال لها: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. فقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله ... ونحن كنا نؤذي ونخاف ... لقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بينهما بقوله:"ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. فعظم الفرح بين مهاجرة الحبشة (?).