ونفس طيبة، خرجت من جسد طيب، اجعلوها في عليين. وتعرض عليه أرواح ذريته الكفار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة خرجت من جسد خبيث، اجعلوها في سجين» .
أقول: وهذا وإن اقتضى كون أرواح العصاة من المؤمنين في عليين كأرواح الطائعين منهم، لكن لا يقتضي تساويهما في الدرجة كما لا يخفى.
وفي رواية «تعرض عليه أعمال ذريته» وهو إما على حذف المضاف: أي صحف أعمالهم التي وقعت منهم، وهي التي في صحف الحفظة، أو التي ستقع منهم وهي ما في صحف الملائكة غير الحفظة. أو تعرض عليه نفس أعمال تجسمت لما سيأتي أن المعاني تجسم، ففي كل من الروايتين اقتصار، والله أعلم.
وفي رواية سندها ضعيف، كما قاله الحافظ ابن حجر «وعن يمينه أسودة، وباب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله أسودة، وباب يخرج منه ريح خبيثة، فإذا نظر عن يمينه أي إلى تلك الأسودة ضحك واستبشر، وإذا نظر عن شماله أي إلى تلك الأسودة حزن وبكى فسلم عليه صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال: هذا أبوك آدم» أي وزاد في الجواب قوله «وهذه الأسودة نسيم» أي أرواح «بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، وأهل الشمال أهل النار؛ فإذا نظر عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر عن شماله حزن وبكى» وزاد في الجواب أيضا قوله «وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر من سيدخله من ذريته حزن وبكى» اهـ أي إذا نظر إلى أرواح من سيدخلهما، وفيه أن الجنة فوق السماء السابعة والنار في الأرض السابعة، وهي محيطة بالدنيا فكيف يكون بابهما في السماء الدنيا، وأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما تقدم.
وأجيب عن الثاني بأن عرضها: أي أرواح ذريته الكفار عليه نظرة إليها وهي دون السماء لأنها شفاقة أو من ذلك الباب، أي وكونها عن يساره الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم:
أي في جهة يساره.
ويجاب عن الأول بأن الباب الذي على يمينه يجوز أن يكون محاذيا لموضع الجنة من السماء السابعة، ولهذا قيل له باب الجنة، وكذا يقال في باب جهنم، لأن الاضافة تأتي لأدنى ملابسة، وبما أجبنا به عن كون أرواح ذريته الكفار عن جهة يساره يعلم أنه لا حاجة في الجواب عن ذلك إلى قول الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يقال إن النسم المرئية هي الأرواح التي لم تدخل الأجساد بعد: أي الآن، ومستقرها عن يمين آدم وشماله. وقد أعلم بما سيصيرون إليه، بناء على أن الأرواح مخلوقة قبل أجسادها. على أنه لا يناسب قوله روح طيبة ونفس طيبة خرجت من جسد طيب إلى آخره.