المهاجرين الأولين فاختلفوا. فأما عبد الرحمن بن عوف فكان رأيه أن تقسم لهم حقوقهم. ورأى عثمان وعلي وطلحة وابن عمر رأي عمر.
فأرسل إلى عشرة من الأنصار خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم، فلما اجتمعوا حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني لم أزعجكم إلا لأن تشركوا في أمانتي وفيما حملت من أموركم فإني واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالحق خالفني من خالفني ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلا الحق. قالوا: قل نسمع يا أمير المؤمنين. قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، وأني أعوذ بالله أن أركب ظلمًا، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئًا للمسلمين المقاتلة والذرية ولمن يأتي بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام -كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر- لا بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج فقالوا جميعًا: الرأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت. إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجرى عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر إلى مدتهم. فقال: قد بان لي الأمر، فمن رجل له جزالة وعقل يضع الأرض مواضعها ويضع