نخيلهم، ولا تسمم مياههم. ومن هذا يتبين أن الإسلام في بدء القتال قرر من الأحكام ما يقضي به توقي الغدر والأخذ غرة. وفي أثناء القتال قرر من الأحكام ما يستوجبه تخفيف ويلات الحرب: من تجنب المثلة والتعذيب وإتلاف ما لا تدعو الحاجة إلى إتلافه حتى إن أعداء المسلمين إذا مثلوا بهم فالأفضل عدم مجاراتهم في هذا التمثيل. يدل على هذا ما روي من أنه لما مثل المشركون في غزوة أحد بحمزة بن عبد المطلب وغيره من الشهداء قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بضعفي ما مثلوا بنا"، فأنزل الله عليه قوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} 1 فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "بل نصبر" وقال عمران بن حصين: ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.
وأساس هذه الأحكام أن الإسلام ما قصد من تشريع القتال إزهاق الأرواح وتعذيب عباد الله وإنما أراد دفع الشر وحماية المسلمين ودعوتهم من العدوان، فهو وسيلة لا يلجأ إليها إلا للضرورة ولا يتجاوز فيها أدنى حدودها والله سبحانه لما بعث رسوله وأمره بدعوة الخلق إلى دينه لم يأذن له في قتل ولا قتال حتى بدأ المدعوون بظلم الداعين وإخراجهم من ديارهم وأموالهم بغير حق فأذن الله للمسلمين بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 2.